responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 494
وُلِدَ من صُلْبه يطلب رد ابنه عليه؛ خيَّره محمد بين أن يصحب أباه أو يبقى تحت جناحين من عطف محمد ورأفته؛ فاختار صُحْبة محمد علَى الرجوع مع أبيه إلَى قبيلته.

يقول هيجنس في كتابه (الاعتذار عن محمد والقرآن): (إن أتباع المسيح ينبغي لهم أن يجعلوا علَى ذِكر منهم أن دعوة محمد أحدثت في نفوس أصحابه من الحميّة ما لم يحدُث مِثله في الأتباع الأولين للمسيح، ومَن بحث عن مِثل ذلك لا يرجع إلَّا خائبًا؛ فقد هرب الحواريون، وانفضُّوا عن عيسى حين ذهب به أعداؤه ليصلبوه؛ فخذله أصحابه، وصَحُوا من سكرتهم الدينية، وأسلموا نبيهم لأعدائه يسقونه كأس الموت! أما أصحاب محمد؛ فالتفوا حول نبيّهم المبغي عليه، ودافعوا عنه مخاطرين بأنفسهم إلَى أن تغلب بهم علَى أعدائه)

وحين كرّ مشركو قريش يوم أُحُد علَى المسلمين؛ فاختلت صفوفهم وتفرق جمعهم؛ نادى محمد: مَن يَفديني؟ فخرج من الأنصار سبعة؛ دافع كل واحد منهم عن الرسول، وما زال يقاتل دونه حتى قُتِلَ، وقد قُتِل لامرأة من الأنصار في هذِهِ الحرب ثلاثة رجال من بيتها: أبوها وأخوها وزوجها، وتتابع إليها نعي الثلاثة واحد بعد واحد؛ فكانت تسأل أولًا عن محمد.. كيف هو؟ فيقولون لها: إنه سالم، ثم لما رأت وجهه، سُرّي عنها، ولم تتمالك أن صاحت قائلة: (كل مصيبة بعدك جَلَلٌ يا رسول الله)!

إن الَّذِين دافعوا عنه وقُتِلوا دونه وفَدَوه بأنفسهم؛ قد عرفوه حق المعرفة، وعلموا سُنّته وهديه وخُلُقه، ولولا أن حياته كانت عظيمة كاملة، ونفسه كانت أحب النفوس إليهم وأعظمها في أعين أصحابه وأحبابه؛ لما فَدَوه بأنفسهم.

سكت قليلا، ثم قال: هذا شهادات أصحابه، ومن آمنوا به.. أما أعداؤه؛ فإنهم أفرغوا جهدهم واستنفذوا سعيهم ليقفوا علَى دخيلة من دخائله، وليؤاخذوه بحقيقة يعلمونها عنه؛ فلم يستطع أحد منهم أن يجد له ناحية ضعف ولا ما يندد به.

وأريد أن أَلفت أنظاركم إلَى أن محمدا لم يقض حياته كلها بين أحبابه وأصحابه؛ بل قضى أربعين سنة من عمره في مكة قبل أن يُبعث؛ فكان بين أهلها ـ مشركي قريش ـ، وكان يتعاطى فيهم التجارة، ويعاملهم في أمور الحياة ليل نهار ـ وهي الحياة اليومية وما تنطوي عليه من أخذ وعطاء ـ، ومن شأنها أن تكشف عن أخلاق المرء؛ فيتبين للناس فسادها وصلاحها، وهي عيشة طويل طريقها، كثيرة منعطفاتها، وعرة مسالكها، تعترضها وهدات مما قد يصدر عن المرء من خيانة، وإخفار عهد، وأكل مال بالباطل، وعقبات من الخديعة والخيانة، وتطفيف الكيل، وبَخس الحقوق، وإخلاف الوعد.

وقد اجتاز محمد هذِهِ السبيل الشائكة الوعرة، وخلص منها سالمًا نقيًّا، لم يصبه

نام کتاب : النبي الإنسان نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 494
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست