قال رجل من الجمع: عرفنا
الشرط الأول.. وانفراد محمد من بين كل عظماء الدنيا بالتحقق به.. فهل تحقق الشرط
الثاني؟
قال: بعد أن استيقنت بأن
الحياة الوحيدة المحفوظة بكل تفاصيلها هي حياة محمد وتعاليمه، رحت أبحث عن مدى
تحققها بالكمال الإنساني.
لقد كنت أدرك بأدلة لا حصر
لها بأن الله لن يختار إلا الإنسان الكامل.. فالقاصر والعاجز والضعيف لا يمكن أن
يكون قدوة لغيره.. ولا يمكن لغيره أن يسير سيره، أو يستن بسنته، وإلا كان حاله
كحال المريض الذي يتبع سيرة مريض.. فحري بهذا المريض أن لا يزداد إلا مرضا.
ثم بحثت في نواحي الكمال
التي يدعيها الكثير.. فوجدت أن الكمال نوعان: كمال نظري، وكمال عملي.
أما الكمال النظري، فهو
الكمال المرتبط بالأفكار التي يحملها ذلك العظيم، أو هي المشروع الذي يحمله، ويدعو
الناس إلى تحمله.
وأما الكمال العملي، فهو
تطبيق العظيم لما يدعو إليه من سلوك، حتى يكون بسلوكه ترجمة عملية لكل ما يدعو له.
فيتزود الناس من خلال هذا
العظيم جميع المعارف العلمية والعملية، بل يرونها أمامهم عيانا.
قال رجل من الجمع: عرفنا
هذا المنهج.. ونحن نسلم بصحته.. بل لا نرى أن هناك من يخالفك فيه.. فهل طبقته على
العظماء الذين بحثت في سيرهم.
قال: أجل.. لقد بدأت البحث
من جديد.. فتركت كل ما وصلت إليه من تلك الثروة الضخمة التي دلتني على أن محمدا هو
الإنسان الوحيد الذي حفظ الله كل ما يرتبط به.
لقد قلت لنفسي، أو قال لي
عقلي: ربما يكون ما حفظ عن محمد ابتلاء للإنسان ليسير في طريق النقص والضعف
والانحطاط.. وربما يكون الشيطان.. لا الله.. هو الذي حفظ جميع تعاليمه، وجميع ما
يرتبط به ليكون مادته التي يتوصل من خلالها إلى الوسوسة إلى البشر، ورميهم في حظيظ
جهنم.