في ذلك الحين لم يزلزل
رسول الله (ص).. بل بقي في ثباته كالطود
الأشم، بل في ذلك الموقف الشديد كان يبشر أمته بما يفتح الله عليها من فتوح..
وهذا موقفه (ص) حين شكا إليه الصحابة ما أصابهم من اضطهاد في مكة
المكرمة.. فعن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله (ص) وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من
المشركين شدة، فقلنا: ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا؟ فقال: (قد كان من قبلكم يؤخذ
الرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل
نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه)
ثم قال بعدها مطمئنا له: (والله
ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله
والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)([25])
وهكذا في غزوة حنين حينما
انهزم الناس.. في ذلك الحين ثبت رسول الله (ص)، وأخذ
يصيح في الناس:
أنا
النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب
ثم أخذ يقول: (اللهم نزل
نصرك)، قال البراء: ولقد كنا إذا حمى البأس نتقى برسول الله (ص)، وإن الشجاع الذى يحاذي به([26]).
قال الشاب: فما الموطن
الثاني الذي يتجلى فيه اليقين؟
قال جعفر: الفاقة
والحاجة.. ألا ترى الذي أصابته الفاقة والحاجة كيف يحرص على أي شيء لديه ليدخره
وقت حاجته؟
قال الشاب: ذلك صحيح..
قال جعفر: ولكن النبي (ص) الذي أصابته جميع أنواع الحاجات.. بل كانت تمر
الأهلة متواترة، ولا يوقد في بيته نار([27]).. ومع
ذلك كان كالريح المرسلة لا يمسك دينارا ولا درهما، ولا طعاما ولا ثوبا.. وكل ذلك
يقينا منه بما عند الله.