بعد أن ملأ بصري بما وصف
لي من صورة رسول الله (ص) أمر ابنه بأن
يقدم لنا الطعام، فأسرع ابنه.. وما لبث إلا قليلا، حتى جاءنا بطعام تفوح من روائحه
الطيبة، فقلت: لكأني بك علمت ما يجول في عقل بطني كما علمت ما يجول في عقل خاطري..
إن هذا الطعام الذي تقدمه أشهى طعام أحببته في حياتي.
رأيته فرح فرحا شديدا حتى
كاد يستفزه طربا، وقال: بشرك الله بخير.. بشرك الله بخير.
تعجبت من موقفه هذا، فقال:
لا تتعجب.. لقد قال (ص): (من وافق من
أخيه شهوة غفر له)([923])
قلت: عهدي بالصالحين لا
يتحدثون عن مثل هذا.. فالطعام الشهي عندهم هو الطعام الحلال، وهم لا يبالون بعد
ذلك ألذ مذاقه أم خبث؟
قال: ألم يخلق الله لنا
ألسنة تميز بين المطعومات.. فتستلذ طعم بعضها، وتنكر غيره؟
قلت: ذلك صحيح.. وفي ذلك
بلاء عظيم..
قال: وما وجه البلاء فيه؟
قلت: هناك من يعبد ذوقه من
دون الله.. فيصير تابعا لشهواته.
قال: وهناك ما يثبت أمام
شهواته، فلا تغره، ولا تستعبده..
قلت: ذلك هو من يزهد فيها.
قال: وذلك هو من يتناولها
بقدر، وهو يعلم حق الله فيها، ونعمة الله عليه بها.