قال: دعك من هذا..
فأصحاب محمد (ص) المنتجبين كان كل منهم
يلبس لباسا مختلفا عن أخيه.. وله من المظاهر ما يتميز به عن غيره، ولم ينكر (ص) ذلك على أحد منهم.. ولم يعتبر أن ذلك قصور منهم في
محبته.
قلت: ولكنك تزعم أنك اتخذت
محمدا النموذج الأكمل في حياتك..
قال: أجل.. ولن أستطيع أن
أقنعك بذلك الآن.. ولذلك تعال معي، فأنا الوارث التاسع الذي كتب الله أن يعلمك
معنى بشرية محمد.
قلت: من أنت؟
قال: أنا الصالحي..
قلت: أعلم ذلك.. فكل من
سكن هذه الصالحية يسمى صالحيا..
قال: أنا محمد بن يوسف بن
علي بن يوسف الدمشقي.
قلت: أأنت صاحب السيرة
الشامية؟.. أأنت صاحب (سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام
نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد)([788])
ابتسم، وقال: ذلك جدي..
وقد سميت باسمه كما سمي آبائي بأسماء آبائه.. ولكنك مع ذلك تستطيع أن تعتبرني
صاحبها، فأنا أحفظها عن ظهر قلب، وأعيشها بكل مشاعري وكياني.
قلت: أين بيتك؟.. بشرفني
أن أزور رجلا من أحفاد الصالحي.
قال: هو قريب من هنا.. هيا
بنا.
قال ذلك، ثم أخذ يمشي
بسرعة، فقلت: رويدك يا صالحي.. لكأني بفعلك يخالف قولك.. فأنت دعوتني بلسانك،
وفررت مني برجلك.
ابتسم، وقال: لا.. فعلي
يواقف قولي.. ولكني بإسراعي أطبق سنة رسول الله (ص) في
مشيه.. فقد تواترت الروايات بأن مشية رسول الله (ص) كانت
أميل إلى السرعة منها
[788] هذا اسم (السيرة الشامية) للصالحي، وهي من أهم مصادر
السيرة النبوية الشريفة، وقد اعتمدنا في هذه السلسلة كثيرا على ما ورد فيها من
روايات.. وهي مرجعنا في أكثر الأحيان في تخريج الأحاديث المرتبطة بالسيرة والشمائل،
وهو بحمد الله محل إجلال واحترام من الأمة جميعا، وله في أهل البيت خصوصا الكثير
من البحوث الطيبة، ومنها جزء عنوانه (مزيل اللبس عن حديث ردّ الشمس)، وغيره.