قال: أجل.. إن ما
تراه من زينة رآه قبلك بشر الحافي.. وأويس القرني.. وسعيد النورسي.. ولم ينكروه.
تعجبت من قدرته على قراءة
خاطري، فقلت: أأنت كاهن أم منجم؟
قال: أنا متوسم.. ألم تسمع
قوله تعالى:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ﴾ (الحجر:75)؟
قلت: بلى..
قال: فأنا ـ بفضل الله ـ
واحد منهم.. قد آتاني الله فراسة صادقة.. أنا من الذين قال رسول الله (ص) فيهم: (إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم)([787])
قلت: كيف ذلك.. ولست أراك
تلبس ثيابا بالية.. ولا تحمل ما يحمل الزهاد من مظاهر الذلة والانكسار؟
قال: لقد أنعم الله علي
بمال.. فأحببت أن يرى أثر نعمته علي.. وأحببت أن يرى عباده ذلك أيضا.
قلت: لا أرى إلا أنك من
الذين لبس عليهم الأمر.. فصاروا يحتالون على النصوص المقدسة، ليختاروا منها ما
يناسب أهواءهم.
قال: لا تقل ذلك.. لقد
جربت مرة أن ألبس ملابس أويس، وأنتعل حذاء بشر.. لكني لم أجد يدا تمتد إلي
بالسؤال، بل وجدت الأيدي ـ على عكس ذلك ـ تمتد إلي بالعطاء.. فرحت ألبس ما تراه
ليقصدني السائلون، ويطرق بابي المحتاجون.
قلت: نعمت النية نيتك..
ولكن هل ترى ذلك كافيا ليجعلك من المترفعين عن طينهم؟
قال: لقد خلق الله لنا
طينا.. وطلب منا أن لا نحرمه مما يحتاجه من ماء وهواء وكساء ومأوى.. إن طيننا
أمانة عندنا.. ومن التقصير العظيم أن نضيع الأمانة التي أمرنا بحفظها.
قلت: الإنسان روح لا طين.
قال: بل هو روح وطين.. ولا
ينبغي للطين أن تبخس حق الروح، ولا للروح أن تبخس حق الطين..
[787] رواه الطبري والقضاعي في مسند الشهاب والطبراني في
المعجم الأوسط.