فراحوا يعمرون بها أجسادهم.. أما قلوبهم وعقولهم
وأرواحهم وأسرارهم، فقد أسلموها الأبي جهل وإخوان أبي جهل.
قلت: فرسول الله (ص) أمر الأمة إذن بأن تفنى في شخص رسولها، فلا يبقى
في شخصها حظ من نفسها؟
قال: أجل.. لأن رسول الله (ص) هو النموذج الأعلى للإنسان.. ولا يمكن لشخص أن يصل
إلى الكمال في أي لطيفة من لطائفه إلا بعد أن يتحول قالبه إلى القالب الذي كان
عليه رسول الله (ص).
قلت: ألا ترى أن ما تقوله
خطير أو مناف لعقيدتنا في رسول الله (ص)؟
قال: لا.. هذا هو لب
العقيدة في رسول الله (ص).. فالله تعالى
جعل رسوله أسوة، قال تعالى:﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ
كَثِيرا﴾ (الأحزاب:21).. ألا ترى أن الآية جاءت مطلقة.. فلم تحدد موضع الأسوة؟
قلت: أجل..
قال: ولذلك كان من حصر
التأسي في حال من الأحوال أو عمل من الأعمال بعيدا عن رسول الله (ص) بقدر حصره وبقدر بعده.. ألم تسمع الأصوليون، وهم
يرددون كل حين (لا تخصيص بدون مخصص.. ولا تقييد بدون مقيد)
قلت: بلى..
قال: فمن حصر سنة رسول
الله التي تمثل شخص رسول الله في بعض الظواهر المبتورة عن الحقائق التي تنطلق منها
يكون قد شوه رسول الله (ص) أعظم تشويه.. بل
هو كمن صبغ سما بصورة دواء.. فلا يزيد الناس إلا مرضا.
قلت: ولكن كيف يضع الإنسان
نفسه في القالب الذي كان عليه رسول الله (ص)؟
قال: أنت تعلم أنه ليس
هناك إنسان في الدنيا حفظت كل تفاصيل حياته.. بل حفظت حياة كل تفاصيل لطائفه جميعا
مثل رسول الله (ص).. فقد حفظ الله
في القرآن والسنة والسيرة كل ما يرتبط برسول الله (ص).
قلت: أجل.. أعلم ذلك.
قال: فقد أقام الله الحجة
على عباده ووضع لهم الصورة المثالية للإنسان ليعيشوها ويتقولبوا في قالبها..
ليتحقق فيهم مراد الله من خلق الإنسان.