الذي
أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة، واجعلهن من آخر
كلامك، قال: فرددتهن لأستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي أرسلت. قال: لا، وبنبيك
الذي أرسلت)([343])
قلت:
إن ما ذكرته من ارتباط الكمال الإنساني بالخضوع المطلق قد لا يسلم لك، فالكامل ـ
في منطق البشر ـ هو من تحرر لا من خضع.
نظر
إلى السماء بعين ممتلئة دموعا كان يحاول دفعها بكل جهده، ثم أنشد بلحن عذب:
شرف النفوس دخولها في رقهم.. والعبد يحوي الفخر بالتمليك
قلت:
ما تقصد؟
قال:
أرأيت لو أوقفك ملك الملوك ببابه، وأذن لك كل حين بزيارته، والحديث معه، وأنت مع
كل ذلك تتمتع بفضله وبره وإحسانه ولطفه لا ينقصك شيء من كل ذلك.. ثم قال لك محذرا:
إياك أن ترغب عني إلى غيري ممن لا يزيدك إلا ألما وشقاء وعناء.. أكان في قوله هذا
ما يضر بحقيقتك وحريتك؟
قلت:
ما دمت أجد كل حاجاتي عنده، وما دامت كل لطائفي تغذى ببره، فمن الغبن أن أنصرف عنه
إلى سواه.
قال:
فهذه هي العبودية، وهذا هو سر الخضوع.. فالخضوع لله تحرر ممن سواه من الشهوات
والأهواء والشياطين التي تقيد الإنسان بأبشع أنواع القيود.
بينما
نحن كذلك إذ قدم ابن له يحمل كتابا، وأخذ يقول، وكأنه يخاطبني: اسمع ما ورد في هذا
الكتاب.
قال
ذلك، ثم أخذ يقرأ بخشوع لا يقل عن خشوع أبيه: ولقد صدق بعض العارفين لما قال له
بعض الأمراء: سلني حاجتك، فقال له العارف: كيف تقول لي هذا، ولي عبدان هما سيداك،
فقال: ومن هما؟ قال: الحرص والهوى، فقد غلبتهما وغلباك، وملكتهما وملكاك.. وقال
بعضهم لبعض الشيوخ: أوصني، فقال له: كن ملكا في الدنيا تكن ملكا في الآخرة، قال:
وكيف أفعل ذلك؟ فقال: ازهد في الدنيا تكن ملكا في الآخرة.. معناه اقطع حاجتك
وشهوتك عن الدنيا، فإن الملك في الحرية والاستغناء)([344])
أغلق
الكتاب، وراح إلى سبيله، سألت زين العابدين عن ابنه هذا، فقال: هذا ابني