ولهذا كانت جميع أوراده
تعبر عن لجوء المؤمن لربه وخضوعه المطلق له..
لقد كان رسول الله (ص) يعلم أمته هذا، ففي الحديث: قال النبي (ص) يخاطب بعض أصحابه: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك
للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي
إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك
إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك مت وأنت على
الفطرة، واجعلهن من آخر كلامك، قال: فرددتهن لأستذكرهن فقلت: آمنت برسولك الذي
أرسلت. قال: لا، وبنبيك الذي أرسلت)([193])
قلت: فقد علم محمد أصحابه
ما يقولون أثناء النوم إذن؟
قال: أجل.. كان النبي (ص) يعلمهم كل شيء.. وكانت حياته أمامهم نموذجا معبرا عن كل خير..
فلذلك كانوا يقتدون به في كل أفعاله إلا إذا نهاهم عن ذلك.
ومما ورد في ذلك ما حدث به
علي: أن فاطمة أتت النبي (ص) تسأله خادما،
فقال: ألا أخبرك ما هو خير لك منه، تسبحين الله عند منامك ثلاثا وثلاثين، وتحمدين
الله ثلاثا وثلاثين، وتكبرين الله أربعا وثلاثين، فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة
صفين؟ قال: ولا ليلة صفين([194]).
نمت تلك الليلة كما لم أنم
في حياتي.. لقد شعرت بروحانية عميقة تمتد إلى نومي، فتحوله من ممارسة عادية لا
تختلف عن أي ممارسة بهيمية له إلى نوم روحاني، تحولت كل رؤاي فيه إلى تلك العوالم
الجميلة التي كنت أحلم بها ولا أجدها.
في جوف الليل.. أيقظتني
حركات خفيفة.. انتبهت فرأيت جعفر يقوم، ثم يتوضأ، ثم يقف على سجادته، ويكبر، ثم
يردد في خشوع: (اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم
الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه
من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)([195])