وقد أمّر رسول
الله (ص) مولاه زيد بن حارثة على
هذه السيرة وندب رسول الله (ص) الناس
وقال:(إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة
على الناس، فإن أصيب فليرتض المسلمون رجلاً من بينهم يجعلونه عليهم أميراً)
وقد قال رسول الله يوصي
الجيش قبل خروجه:(أوصيكم بتقوى الله وبمن معكم من المسلمين خيراً، اغزوا باسم الله
في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا وليداً ولا امرأة ولا
كبيراً فانياً ولا منعزلاً بصومعة ولا تقربوا نخلاً ولا تقطعوا شجراً ولا تهدموا
بناءً)
ولما فصل الجيش من المدينة
سمع العدو بمسيرهم، وقام شرحبيل بن عمرو الغساني، فجمع أكثر من مئة ألف من الروم،
وضم إليهم القبائل القريبة الموالية، فلما نزل المسلمون معان من أرض الشام بلغهم
أن هرقل قد نزل مآب من أرض البلقاء، فأقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم،
وقالوا: نكتب إلى رسول الله (ص)
فنخبره بعدد عدونا؛ فإما أن يمدنا بالرجال، وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له، فشجع
الناسَ عبدُ الله بن رواحة على المضي فقال:(إن التي تكرهون للتى خرجتم لها، إياها
تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة ولا قوة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين
الذي أكرمنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة وليست بشر المنزلتين)،
فقال الناس: لقد صدق ابن رواحة.
فمضوا إلى مؤتة، ووافاهم
المشركون تحت إمرة إثيودور أخي هرقل فجاء منهم من لا قبل لأحد به من العدد الكثير
الزائد على مئة ألف والسلاح والخيل وآلات الحرب مع من انضم إليهم من قبائل العرب
المتنصّرة من بني بكر ولخم وجذام مئة ألف، فقاتل الأمراء الثلاثة يومئذ على
أرجلهم، فأخذ اللواء زيد بن حارثة، فقاتل المسلمون معه بشجاعة على صفوفهم حتى قتل
طعناً بالرماح، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب فقاتل قتالاً شديداً فقطعت يمينه،
فأخذ اللواء بيساره