ولكن رسول الله (ص) لم يبال بما سمع من كثرة عدد الجيش وتثبيط همة
الناس، فقال: (والذي نفسي بيده لو لم يخرج معي أحد لخرجت وحدي)
وأقام (ص) ببدر ثمانية أيام ينتظر العدو، وباع المسلمون ما
معهم من التجارة فربحوا بدرهم درهمين، ثم رجعوا إلى المدينة، وقد انتقل زمام
المفاجأة إلى أيديهم، وتوطدت هيبتهم في النفوس، وزالت كل آثار ما حصل يوم أحد.
أشار الحكيم إلى سيف آخر،
وقال: لعل هذا السيف يشير إلى غزوة دُوَمة الجندل.. فإن كان يريد ذلك، فهذه الغزوة
من الغزوات التأديبية التي أراد بها رسول الله (ص) أن
يملأ المنطقة التي تحيط به أمنا، فلا حياة مع الخوف.
لقد مكث رسول الله (ص) بعد بدر الصغري في المدينة ستة أشهر، ثم جاءت إليه
الأخبار بأن القبائل حول دومة الجندل([581]) تقطع
الطريق هناك، وتنهب ما يمر بها، وأنها قد حشدت جمعاً كبيرا تريد أن تهاجم المدينة،
فاستعمل رسول الله (ص) على
المدينة سِبَاع بن عُرْفُطَة الغفاري، وخرج في ألف من المسلمين لخمس ليال بقين من
ربيع الأول سنة 5هـ، وأخذ رجلاً من بني عُذْرَة دليلاً للطريق يقال له: مذكور.
وقد كان (ص) يسير بالليل ويكمن النهار حتى يفاجئ أعداءهم وهم
غارون، فلما دنا منهم إذا هم مغربون، فهجم على ما شيتهم ورعائهم، فأصاب من أصاب،
وهرب من هرب.
[581] دُومَة الجنْدَل مدينة
بينها وبين دمشق خمس ليال وبعدها من المدينة خمس عشرة ليلة وهي أقرب بلاد الشام
إلى المدينة وبقرب تبوك.