واستمر عشر سنين، وقع خلالها ما تقشعر منه الجلود، فقد كان الرجال
يعذبون ثم يقتلون إغراقاً، وتوقد المشاعل وتسلط نارها عليهم حتى يسيل الدهن على
الأرض، ويوضع السجين في كيس مملوء من الرمل ويرمى به في البحر.. إلى غير ذلك من
الفظائع.
قلت: واليهود؟
ابتسم، وقال: ألا تعرف
اليهود!؟.. إنهم وباء العالم وسرطانه القاتل، وقد كانوا في ذلك الوقت أضعب الأمم،
فقد كانوا عرضة للاضطهاد والاستبداد، والنفي والجلاء، والعذاب والبلاء.
وقد أورثهم تاريخهم الخاص
وما تفردوابه بين أمم الأرض من العبودية الطويلة والاضطهاد الفظيع
والكبرياء القومية، والإدلال بالنسب، والجشع وشهوة المال وتعاطي الربا، أورثهم كل
ذلك نفسية غريبة لم توجد في أمة وانفردوا بخصائص خلقية كانت لهم شعاراً على تعاقب
الإعصار والأجيال، منها الخنوع عند الضعف، والبطش وسوء السيرة عند الغلبة، والختل
والنفاق في عامة الأحوال، والقسوة والأثرة وأكل أموال الناس بالباطل.
وقد وصفهم القرآن في آيات
كثيرة وصفاً دقيقاً عميقاً يصور ما كانوا عليه في القرنين السادس والسابع من تدهور
خلقي، وانحطاط نفسي، وفساد اجتماعي، عزلوا بسببه عن قيادة العالم.
وقد تجدد في أوائل القرن
السابع من الحوادث ما بغضهم إلى المسيحيين، وبغض المسيحيين إليهم وشوه سمعتهم، ففي
السنة الأخيرة من حكم فوكاس (610 م) أوقع اليهود بالمسيحيين في أنطاكية، فأرسل
الإمبراطور قائده (أبنوسوس) ليقضي على ثورتهم، فذهب وأنفذ عمله بقسوة