وقد اشتد الخلاف بين
الحزبين في القرنين السادس والسابع، حتى صار كأنه حرب عوان بين دينين متنافسين، أو
كأنه خلاف بين اليهود والمسيحيين، كل طائفة تقول للأخرى: (إنها ليست على شيء)
لقد ذكر القرآن هذا،
ففيه:﴿ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا
مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ (مريم:37)
لقد حاول الإمبراطور هرقل
(610-641) بعد انتصاره على الفرس سنة 638 جمع مذاهب الدولة المتصارعة وتوحيدها،
وأراد التوفيق بينها، وتقررت صورة التوفيق، وهي أن يمتنع الناس عن الخوض في الكلام
عن كنه طبيعة المسيح، وعما إذا كانت له صفة واحدة، أم صفتان، ولكن عليهم بأن
يشهدوا بأن الله له إرادة واحدة أو قضاء واحد.
وفي صدر عام 631 حصل وفاق
على ذلك وصار المذهب المنوثيلي مذهباً رسمياً للدولة، ومن تضمهم من أتباع الكنيسة
المسيحية، وصمم هرقل على إظهار المذهب الجديد على ما عداه من المذاهب المختلفة له
متوسلاً إلى ذلك بكل الوسائل، ولكن القبط نابذوه العداء، وتبرأوا من هذه البدعة
والتحريف، وصمدوا له واستماتوا في سبيل عقيدتهم القديمة.
وحاول الإمبراطور مرة أخرى
توحيد المذاهب وحسم الخلاف، فاقتنع بأن يقر الناس بأن الله له إرادة واحدة، وأما
المسألة الأخرى، وهي نفاذ تلك الإرادة بالفعل، فأرجأ القول فيه، ومنع الناس أن
يخوضوا في مناظراتها، وجعل ذلك في رسالة رسمية، وبعث بها إلى جميع جهات العالم
الشرقي، ولكن الرسالة لم تهدئ العاصفة في مصر ووقع اضطهاد فظيع على يد قيرس في مصر