يقول مؤرخ عربي شامي عن الحكم الروماني في الشام: (كانت معاملة
الروماني للشاميين بادئ ذي بدء عادلة حسنة مع ما كانت عليه مملكتهم في داخليتها من
المشاغب والمتاعب، ولما شاخت دولتهم انقلبت إلى أتعس ما كانت عليه من الرق
والعبودية، ولم تضف رُومية بلاد الشام مباشرة ولم يصبح سكانها وطنيين رومانيين،
ولا أرضهم أرضاً رومانية، بل ظلوا غرباء ورعايا، وكثيراً ما كانوا يبيعون أبنائهم
ليوفوا ما عليهم من الأموال، وقد كثرت المظالم والسخرات والرقيق، وبهذه الأيدي عمر
الرومان ما عمروا من المعاهد والمصانع في الشام)([17])
وقد
كان ذلك السلوك العنصري المتجبر هو سبب سقوط الدولة الرومانية، يقول (
(ص)) عند
ذكره لسبب سقوط الدولة الرومانية: (لم يكن سبب انقراض الدولة الرومية وسقوطها
الأساسي الفساد الزائد (كالرشوة وغيرها) بل كان الفساد والشر وعدم المطابقة
بالواقع مما صحب نشوء هذه الدولة من أول يومها وتغلغل في أحشائها، إن كل مؤسسة
بشرية تقوم على أساس زائف منها ولا تستطيع أن تنقذ نفسها بذكاء أو نشاط، ولما كان
الفساد مما قامت عليه هذه الدولة فكان لا بد أن تبيد يوماً وتنهار، لقد رأينا أن الدولة
الرومية إنما كانت وسيلة لرفاهية طبقة صغيرة على حساب الجماهير الذين كانت هذه
الطبقة تستغلهم وتمتص دمائهم، لقد كانت التجارة تسير في رومة بأمانة وعدل، وقد كان
ذلك مما طبعت عليه هذه الدولة، وقد كانت فائقة في قوة الحكم والقضاء، وفي الكفاءة،
ولكن هذه المحاسن كلها لم تكن لتحفظ الدولة من عواقب الزيف الأساسي والخطأ)