في ذلك اليوم من أيام الشتاء الباردة سرت إلى مدينة تمتلئ بالحضارة والثقافة والعلوم، لأذهب إلى جامعة من جامعاتها التي اشتهرت بتخريج المستشرقين.
قلت: لا شك أنك تقصد باريس، وتقصد جامعة السربون.
قال: أجل.. لقد كنت حينها ممتلئا إعجابا بما أنشأه قومي من حضارة، كانت روحي تسجد أمام كل عمارة، وتتمسح بكل جسر، وتصافح كل تمثال، وتقبل كل لوحة.
لقد كنت أنظر إلى الأشياء الكثيرة التي أمامي، فلا أرى فيها غير الجمال.. الجمال الذي يصيح بكل ألوان العذوبة.
لست أدري كيف خطر على بالي أن أذهب إلى برج إيفل، وفي الحديقة التي تحيط به جلست على كرسي أتأمل ذلك الجمال الذي ينطق به هذا البرج.
خطر على بالي حينها صاحبك معلم السلام.. وتساءلت بيني وبين نفسي: هل رأى هذا البرج؟.. وهل رأى قبله ثمار الحضارة التي تنعمنا ـ معشر أهل الغرب ـ بها؟
ما استتم هذا الخاطر في ذهني حتى التفت إلى جانبي، فإذا به يجلس بجانبي يحدق إليه كما أحدق، ولكني لم أر في وجهه من الانبهار ما رأيت في وجهي.
صافحته بحرارة قائلا: ها نحن نلتقي أخيرا في باريس.. كيف خطر على بالك أن تأتي إلى هذا الموضع؟
قال: لقد أردت أن أرى بعض ثمار الشجرة التي أسست هذه الحضارة؟
قلت: إنها ثمار يانعة ممتلئة طيبة.. أم أنك تخالفني في ذلك؟