فمصدر العظمة فيه هو أنه كان المبشر بالبشارة
السارة عن قدوم الملكوت الذي اتفقت الأنبياء على البشارة به، كما جاء في لوقا: (كان
الناموس والأنبياء إلى يوحنا، ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله)(لوقا 16/16-17)
ولهذا كان يوحنا يصيح في البرية بما صاح به جميع
الأنبياء، كما في متى: (جاء يوحنا المعمدان يكرز في برية اليهودية قائلاً: توبوا
لأنه قد اقترب ملكوت السماوات)((متى 3/1 - 2)
وقد حفظ لنا الإنجيليون بعض ما كان يتحدث به يوحنا
عن الملكوت القادم، ومن ذلك قوله لليهود، وهو يتوعدهم: (يا أولاد الأفاعي من أراكم
أن تهربوا من الغضب الآتي.. والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع
ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، أنا أعمدكم بماء التوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو
أقوى مني، الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار، الذي رفشه
في يده، وسينقي بيدره ويجمع قمحه إلى المخزن، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ)(متى
3/1 - 12)
وقد ذكر هذا الإنجيل أنه بينما يوحنا يلقي بهذه
البشارة (حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليتعمد منه)(متى 3/13)
قال صفتيا: فأنت ترى أن هذه البشارة تختص بمحمد.
قال يوحنا: لا أشك في ذلك.. فالنص يدل على أن هذا
الملكوت سينزع من بني إسرائيل، أو كما قال يوحنا: (فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً
تقطع وتلقى في النار).. بل كما أنبأ المسيح عن انتقاله عن أمة اليهود إلى أمة
أخرى، فقال: (إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره)(متى 21/43)