responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : رحمة للعالمين نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 483
محسنون.

رأيت أن همام لم يقنع بما قال له الإمام، فراح يعزم عليه، فأجابه الإمام بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي a بقوله: (أما بعد، فإن الله سبحان وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم، آمنا من معصيتهم، لانه لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه. فقسم بينهم معايشهم، ووضعهم من الدنيا مواضعهم. فالمتقون فيها هم أهل الفضائل.. منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع.. غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، وقصروا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالتي نزلت في الرخاء.. لولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم شوقا إلى الثواب، وخوفا من العقاب. عظم الخالق في أنفسهم وصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها متنعمون، وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذبون.. قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم في الاسلام عظيمة.. وصبروا أياما قصيرة فأعقبتهم راحة طويلة وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم.. أرادتهم الدنيا ولم يريدوها، وطلبتهم فأعجزوها، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها.. أما الليل فصافون أقدامهم تالين لاجزاء القرآن يرتلونها ترتيلا.. يحزنون به أنفسهم ويستبشرون به دواء دائهم.. فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا وتطلعت نفوسهم إليها شوقا وظنوا أنها نصب أعينهم.. وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم، يمجدون جبارا عظيما، مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى الله في فكاك رقابهم.. وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء.. قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض. ويقول: قد خولطوا ولقد خالطهم أمر عظيم. لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير. فهم لانفسهم متهمون.. ومن أعمالهم مشفقون إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له فيقول: (أنا أعلم بنفسي من غيري،

نام کتاب : رحمة للعالمين نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 483
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست