قال
الرجل: فالذنوب هي أعمال مشتهاة بالطبع فكيف يجد مرارتها؟
فرد عليه صاحبه: من تناول عسلاً كان فيه سم ولم يدركه
بالذوق واستلذه ثم مرض وطال مرضه وتناثر شعره وفلجت أعضاؤه، فإذا قدم إليه عسل فيه
مثل ذلك السم وهو في غاية الجوع والشهوة للحلاوة، فهل تنفر نفسه عن ذلك العسل أم
لا؟
قال الرجل: لا شك أن نفسه تنفر منه.. بل إن نفسه ربما
تنفر عن العسل الذي ليس فيه سم لشبهه به.
قال المرشد: فهكذا الأمر مع التائب.. فإن كل ذنب ذوقه
ذوق العسل وعمله عمل السم، ولا تصح التوبة ولا تصدق إلا بمثل هذا الإيمان.
قال الرجل: ولكن مثل هذا الإيمان عزيز؟
قال المرشد: ولهذا عزت التوبة وعز التائبون، فلا ترى
إلا معرضاً عن الله تعالى متهاوناً بالذنوب مصراً عليها.
قال الرجل: فحدثني كيف أطهر نفسي من ذنوبي الماضية؟
قال المرشد: لقد ذكر المربون أن التائب الناصح هو من
يرد فكره إلى أول يوم بلغ فيه، ويفتش عما مضى من عمره سنة سنة وشهراً شهراً ويوماً
يوماً ونفساً نفساً، وينظر إلى الطاعات ما الذي قصر فيه منها؟ وإلى المعاصي ما
الذي قارفه منها؟ فإن كان قد ترك صلاة أو صلاها في ثوب نجس أو صلاها بنية غير
صحيحة لجهلة بشرط النية فيقضيها عن آخرها، فإن شك في عدد ما فاته منها حسب من مدة
بلوغه وترك القدر الذي يستيقن أنه داء ويقضي الباقي وله أن ياخذ فيه بغالب الظن
ويصل إليه على سبيل التحري والاجتهاد.