وكنت أرى بين هذا وذاك
منافقين كثيرين.. لا قلوب لهم ولا مشاعر.. هم فقط مجموعة هياكل عظمية مكسوة بأكداس
من اللحم والشحم الذي لا يختلف في لونه وقساوته عن ذرات الرمال وطبقات الصخور..
كل هذه
الصور لم أكن أكترث لها كثيرا.. ولكن الذي اكترثت له هو فقيه القرية وقارئها
وعالمها.. ذلك الذي يجلس على عرش القرية الديني.. فهو إمامهم في الصلاة.. وهو
قاضيهم في المحكمة الشرعية الصغيرة.. وهو معلمهم في الكتاتيب.. وهو فوق ذلك كله
مستشارهم الذي يرجعون إليه كل حين([1])..
كان هذا
الشخص مع بداوته الشديدة.. بداوته التي تغلبت على دينه.. أو بداوته التي جعلها
نظارة ينظر بها إلى دينه.. أو بداوته التي فسر بها كتاب ربه وسنة نبيه.. بل فسر
بها الحياة جميعا.. كان هذا الشخص هو مصدر إزعاجي الأكبر..
لقد حاولت
بكل ما أطقت أن أمسح تلك الذكريات التي جمعتني به، فلم أطق.. لقد كانت تلح علي كل
حين.. وكانت تملؤني بالحزن كل حين ..
وكانت كل
مرة تخطر علي بالي تلك الذكريات أمد يدي من حيث لا أشعر.. وكأني أخنق بها شيئا لست
أدري ما هو.. ولا لماذا.
كان للرجل
أربع نسوة.. هن في الظاهر زوجاته.. ولكنهن في الحقيقة لسن إلا خدما في ضيعته
الكبيرة التي اكتسبها بجشعه الكبير.. فهو لا يفتي إن أفتى إلا بالمال.. ولا يصلي
إن صلى
[1] لا نقصد بهذا
شخصا معينا ولا جهة معينة.. وإنما نقصد صنفا خاصا ممن يسميهم الناس (متدينين)
بينما هم في الحقيقة لا يحملون من الدين إلا صورة مشوهة ممتلئة بالقسوة والغلظة
والجفاوة.. وقد استعرنا البداوة هنا ـ مع احترامنا للبداوة ـ لما ورد في الحديث من
قوله (ص): (من بدا جفا،
ومن تبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد عبد من السلطان قرباً
إلا ازداد من الله بعداً) (رواه أحمد والبزار)