قلت: لم أر البشرية في زريبة.. ولم أر أي علف يقدم لها.
قال: ألم تر أولئك الراكعين الساجدين أمام ما يصدر قومي من كل ما
يسمونه تسلية؟
قلت: بلى.. ولكنها تسلية..
قال: بل هي العلف الذي علفت به نفوس العالم.. إنكم لا تجلسون
لتتسلوا، وإنما تجلسون لتعلفوا كل قيم الصراع التي يصدرها قومي.. لتصبحوا حيوانات
كحيوانات الغابة يفترس القوي منها الضعيف، ويأكل ذو الناب منها من لا ناب له.
قلت: أهذه أدلتك على نظرية المؤامرة؟
قال: أخطر المؤامرات هي التي لا يقصدها أصحابها.. لأنهم لو قصدوها قد
يخطئون في تخطيطاتهم، فينحرفوا عن مقصدهم الذي قصدوه.
قلت: أتقصد أنها مؤامرة قصدوها أو لم يقصدوها؟
قال: أجل.. فلا يمكن لأحد يملأ بستانه ببذور الشوك أن يجني عنبا.
قلت: أقومك هم الزارعون؟
قال: عندما ركن قومك إلى الكسل استولى قومي على جميع حقول العالم،
وراحوا يزرعون جميع أنواع الأشواك..
قال ذلك، ثم تنفس الصعداء، وراحت دموع غزيرة تنحدر بقوة، فقلت: هون
عليك.
قال: كيف أهون علي.. وأنا أحس بمسؤوليتي عن كل هذه المتفجرات التي
تملأ حياتكم ضجيجا؟