أو كأنه يقول له: يا
محمد إن كان الخلق قد قلوك وآذوك، فإن السماء، بل إن السموات السبع وما فوقها،
كلها بما فيها من الملائكة والأنبياء والأولياء يعظمك ويكن لك كل المودة
والاحترام.
ولتعرفوا هذا سأقص عليكم قصة الإسراء
والمعراج ([852]) كما رويت بالأسانيد الكثيرة التي لا يشك
عاقل في صحتها.
فالقصة هي أن النبي (ص) أتي بالبراق.. فساروا
حتى بلغوا أرضا ذات نخل، فقال له جبريل: انزل، فصل ههنا، ففعل، ثم ركب، فقال له
جبريل: أتدري أين صليت؟ قال: لا، قال: صليت بطيبة وإليها المهاجر.
فانطلق البراق يهوي به، يضع حافره حيث
أدرك طرفه، فقال جبريل: انزل فصل، ففعل، ثم ركب، فقال جبريل: أتدري أين صليت؟ قال:
لا، قال: صليت بمدين عند شجرة موسى.
ثم ركب، فانطلق البراق يهوي، ثم قال:
انزل فصل، ففعل، ثم ركب، فقال: أتدري أين صليت؟ قال: لا، قال: صليت بطور سينا حيث
كلم الله موسى.
ثم بلغ أرضا بدت له قصورا، فقال له
جبريل: انزل فصل، ففعل، ثم ركب وانطلق البراق يهوي، فقال له جبريل: أتدري أين
صليت؟ قال: لا، قال: صليت ببيت لحم، حيث ولد عيسى.
وبينا هو يسير على البراق إذ رأى عفريتا
من الجن، يطلبه بشعلة من نار، كلما
[852] القصة التي
اخترنا سردها هنا مجموعة من أحاديث مختلفة، جمعها علامة السيرة الجليل شمس الدين
أبو عبد الله محمد بن يوسف الصالحي الشامي، في كتابه القيم ( سبل الهدى والرشاد في
سير خير العباد)
وقد ذكر في مقدمة جمعه لها ما قد
يعترض عليه، وهو مهم جدا لمن قد يعترض على هذا السرد، فقال:اعلم رحمني الله وإياك
أن في حديث كل من الصحابة السابق ذكرهم في الباب السابع ما ليس في الآخر، فاستخرت
الله تعالى وأدخلت حديث بعضهم في بعض ورتبت القصة على نسق واحد، لتكون أحلى في
الآذان الواعيات، وليعم النفع بها في جميع الحالات.
وقد نقل عن ابن كثير في تاريخه، سر
اختلاف الرواة، فقال:« وكان بعض الرواة يحذف بعض الخبر للعلم به، أو ينساه، أو
يذكر ما هو الأهم عنده، أو ينشط تارة فيسوقه كله، وتارة يحدث مخاطبه بما هو الأنفع
له.. ومن جعل كل رواية خالفت الأخرى مرة على حدة، فأثبت إسراءات متعددة فقد أبعد
وأغرب وهرب إلى غير مهرب ولم يحصل على مطلب.. وذلك أن كل السياقات فيها تعريفه
بالأنبياء، وفي كلها تفرض عليه الصلوات، فكيف يدعى تعدد ذلك؟ هذا في غاية البعد..
ولم ينقل ذلك عن أحد من السلف ولو تعدد هذا التعدد لأخبر النبي به أمته ولنقله
الناس على التكرار ».
ومثل ذلك قال ابن حجر في الفتح نحوه
وزاد:« ويلزم أيضا وقوع التعدد في سؤاله عن كل نبي وسؤال أهل كل
باب: هل بعث إليه؟ وفرض الصلوات الخمس وغير ذلك، فإن تعدد مثل ذلك في القصة لا
يتجه، فيتعين رد بعض الروايات المختلفة إلى بعض أو الترجيح إلا أنه لا يعد وقوع
مثل ذلك في المنام توطئة ثم وقوعه يقظة » انظر: سيبل الهدى:3/79، فما بعدها.