وقد تبين أن تجارب
الإشراق أو الانكشاف ومعرفة الغيب لا تخص الحيوانات، وإنما توجد في الإنسان
(بالقوة)، يقول الدكتور ألكسيس كريل: إن حدود الفرد في إطار الزمان والمكان هي
مجرد افتراض، فيستطيع عامل الإشراق أن يجعلك تنام، وتضحك أو تبكي، كما يستطيع أن
ينقل إليك كلمات أو خواطر، لست على علم بها. إنها عملية لا تستعمل فيها أية وسائل
ولا يشعر بها غير عامل الإشراق وصاحبه.
كيف يستحيل وقوع هذه العملية نفسها بين
العبد وربه؟ إننا بعد الإيمان بالله، والإطلاع على هذه التجارب الكثيرة بما ذلك
الإشراق، لا نجد أساسا لإنكار الوحي والإلهام.
وقد حدث سنة 1950 أن المسئولين في
(بافاريا) رفعوا قضية ضد أحد النمسويين، واسمه (فرنتر ستروبيل)، بتهمة التدخل في
برامج الإذاعة عن طريق الإشراق.
وكان فرنتر ستروبيل يستعرض أعماله في
فندق ريجينا، بميونيخ، عندما ناول أوراق لعب الكوتشينة إلي أحد المتفرجين، وطلب
إليه اختيار ورقة ما، وادعي أنه سوف ينقل اسم تلك الورقة واسم الفندق مع ترتيبهما،
كما هما في ذهن المتفرج، إلى المذيع الذي كان يقرأ الأخبار من إذاعة ميونيخ
المحلية، ذلك دون أن يعرف المذيع نفسه شيئا من هذا.
بعد ثوان سمع الناس صوت مذيع مرتعش، هو
يقول: (فندق ريجينا- بنت البستوني) وكان الترتيب واسم الورقة صحيحين، كما أراد
المتفرج.
وكان الارتعاش والرهبة واضحين في صوت
المذيع، ولكنه واصل قراءة الأخبار.
استغرب الكثيرون من المستمعين من سكان
ميونيخ، واتصل مئات منهم تليفونيا بالإذاعة يستفسرون عن السر الغامض، فكان من
الصعب عليهم إدراك علاقة الأخبار (بفندق ريجينا- بنت البستوني): وحضر طبيب الإذاعة
للكشف علي المذيع، فوجده في حالة اضطراب خطيرة، وأدلي المذيع ببيانه قائلا: (إنني
شعرت بصداع شديد في رأسي، ولا أعرف ماذا حدث بعد ذلك!)
وقد عرض العلماء نظريات عديدة لشرح هذه
الصور من عملية الإشراق، ومنها أن أمواجا تصدر من المخ وتنتشر في العالم أجمع
بسرعة فائقة، ولذلك سموها بنظرية الموجة المخية.
فإذا كان الإنسان ـ كما يرى هؤلاء
العلماء ـ يستطيع تحويل الأفكار بأكملها إلي إنسان آخر، على بعد غير عادي، وبدون
استعمال أي واسطة مادية ظاهرية، فلماذا تستحيل نفس العملية بين الإله وعباده؟
إن هذا المظهر من كفاءة قوى الإنسان،
وأمثلته كثيرة لا تحصي، ليس إلا قرينة