الآن فيخيفهم غيابه، فهل ظنوا
يا ترى أن الذي يشفي العليل بكلمة، وعن بُعْد، يستطيع أن يحفظ ويعطي السلامة عن
بُعْد أيضاً؟
ظلوا يصارعون الأمواج إلى قرب الصباح، دون أن يتمكنوا من عبور
البحيرة، وعرف المسيح بعذابهم، وهو في مخدع الصلاة الهادئ على الجبل، وهو المحب
الذي لا يريد عذابهم إلا بمقدار ما يؤول لخيرهم، فلما رأى اضطرابهم والخطر عليهم،
نزل من الجبل ومشى على البحر الهائج معتلياً أمواجه في هبوطها وارتفاعها، كأنها
اليابسة، وهو مسرع للإفراج منهم.
هذا هو الكلمة (الذي كل شيء به كان) (يوحنا 1: 3)، وقد وصفه بقوله: (الباسط
السماوات وحده والماشي على أعالي البحر) (أيوب 9: 8)
رفقا بهم لم يتجه فورا إلى السفينة لئلا يخيفهم، بل مر بقربهم كأنه
يتجاوزهم.
لا شك أنهم اعتادوا القصص الخرافية الدارجة في كل عصر، عن ظهور أشباح
روحية مزعجة، والآن يشاهدون لأول مرة في حياتهم روحا أو خيالا، فصرخوا مرتعدين
لعلهم أرادوا أن يخيفوا هذا الخيال ليبتعد عنهم.
ولكن أتى صدى صراخهم خلافا لما انتظروا، لأن هذا الخيال أجابهم بصوت
لا يشتبه به، وبكلام مطمئن حبي قال: (تشجعوا، أنا هو، لا تخافوا)
ولا زال هذا الصوت الحنون المشجع يسمع حينما يوجد مؤمن مضطرب من جراء
هموم ومخاوف الحياة، ولا سيما متى كان انزعاجه نتيجة لثقل خطاياه ومخاوف الابتعاد
الأبدي عن الله.
فلما اقترب المتكلم وعرفوه، تمنى بطرس الجسور أن يتشبه بسيده في
المشي على الماء، فصرخ: (يا سيد إن كنت أنت هو، فمرني أن آتي إليك على الماء)، فهل
يسمح له بما طلب، رغم قوله: (إن كنت أنت هو) خصوصا بعد أن قال سيده: (أنا هو) نعم،
إذا كان بذلك يقدر أن يري تلاميذه أن كل شيء مستطاع عند الله، فمتى شاء يمكن
الإنسان من فعل المستحيلات.
نجح بطرس في أول الأمر لأنه نزل من السفينة ومشى على الماء ليأتي إلى
المسيح، لما كان فكره ونظره متجهين إلى المسيح لم يكن خائفا، واستطاع أن يفعل
المستحيل.
لكن نجاحه أدى إلى فشله، لأنه ابتدأ يفكر بذاته ويفتخر بعمل لم يسبقه
إليه أحد، فحول فكره ونظره من المسيح إلى نفسه، فابتدأت الأمواج الهائجة ترعبه،
وحالا