وكانت الريح قد
جاءتهم بصورة يحبونها فانتهضوا مستبشرين يصيحون هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا،
فأجابهم هود بلسان العارف بربه:﴿ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ
فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (الأحقاف:24)
وقد أمد الله نبيه محمدا (ص) بجند الريح يوم
تحزبت الأحزاب تبغي استئصال شأفة المسلمين، قال تعالى:﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴾ (الأحزاب:9)، فالريح من الجنود المرئية، وغيرها من الجنود
غير المرئية.
وقد ذكر رسول الله (ص) هذا النوع من الجند،
فقال: (نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور)([750])
وقد روي بأسانيد كثيرة كيفية ذلك:
فعن سعيد بن جبير قال: لما كان يوم
الخندق أتى جبريل ومعه الريح، فقال رسول الله (ص) حين رأى جبريل: (ألا أبشروا) ثلاثا،
فأرسل الله تعالى عليهم الريح، فهتكت القباب، وكفأت القدور، ودفنت الرجال، وقطعت
الاوتاد، فانطلقوا لا يلوي أحد على أحد، وأنزل الله تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ
فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرا﴾ (الأحزاب:9)([751])
وعن قتادة قال: بعث الله تعالى عليهم
الريح والرعب كلما بنوا قطع الله أطنابه، وكلما ربطوا دابة قطع الله رباطها، وكلما
أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، حتى لقد ذكر لنا: أن سيد كل حي يقول: يا بني فلان،
هلم إلي حتى إذا اجتمعوا عنده قال: (النجاة النجاة، أتيتم) لما بعث الله تعالى
عليهم من الرعب([752]).
قال البلاذري: ثم إن الله تعالى نصر
المسلمين عليهم بالريح، وكانت ريحا صفراء فملأت عيونهم، فداخلهم الفشل والوهن
وانهزم المشركون، وانصرفوا إلى معسكرهم، ودامت عليهم الريح، وغشيتهم الملائكة تطمس
أبصارهم، فانصرفوا ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ
يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ
قَوِيّاً عَزِيزا﴾ (الأحزاب:25)
وقد ذكر شاهد عيان ما رآه من فعل الريح
بهم، فعن حذيفة بن اليمان وقد قال له