وقد ذكر القرآن الكريم هذه الحادثة، فقال
تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ
يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ
(3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ
(5) ﴾(الفيل)
بولس: قد أسلم بما ذكرت من
أنها حادثة خارقة، ولكن كيف تذكر أنها من الإرهاصات المرتبطة بمحمد.
عبد القادر: أنت تعلم أن بيت
المقدس لا يقل حرمة عن الكعبة المشرفة.
بولس: نحن لا نرى للكعبة
أي مكانة مقارنة ببيت المقدس.
عبد القادر: ومع ذلك فقد استولى
عليه بُخْتُنَصَّر سنة 587 ق.م، ثم استولى عليه الرومان سنة 70 م، ولكن الكعبة
المشرفة لم يتم استيلاء مسيحيو الحبشة عليها مع كونهم من المسيحيين، وأهل الكعبة
من المشركين.
وليس لذلك من سر إلا حفظ هذا البلد من كل
تأثيرات أجنبية قد تنحرف بالدين الخاتم.
بالإضافة إلى ذلك، فقد وقعت هذه الوقعة
في الظروف التي يبلغ نبؤها إلى معظم المعمورة المتحضرة إذ ذاك، فالحبشة كانت لها
صلة قوية بالرومان، والفرس لا يزالون لهم بالمرصاد، يترقبون ما نزل بالرومان
وحلفائهم؛ ولذلك سرعان ما جاءت الفرس إلى اليمن بعد هذه الوقعة، وهاتان الدولتان
كانتا تمثلان العالم المتحضر في ذلك الوقت.
فهذه الوقعة لفتت أنظار العالم ودلته على
شرف بيت الله، وأنه هو الذي اصطفاه الله للتقديس، فإذن لو قام أحد من أهله بدعوى
النبوة كان ذلك هو عين ما تقتضيه هذه الوقعة، وكان تفسيرًا للحكمة الخفية التي
كانت في نصرة الله للمشركين ضد أهل الإيمان بطريق يفوق عالم الأسباب.