ثم قام رسول الله (ص) وأقبل عبد الله بن
الزبعرى ـ وأسلم بعد ذلك ـ حتى جلس إليهم، فقال الوليد بن المغيرة لعبد الله بن
الزبعرى: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب آنفا وما قعد، وقد زعم
محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم.
فقال عبد الله: أما والله ولو وجدته
لخصمته، فسلوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده؟ فنحن نعبد
الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى ابن مريم.
فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من
قول عبد الله، ورأوا أنه قد احتج وخاصم.
فذكر ذلك لرسول الله (ص) فقال رسول الله (ص): كل من أحب أن يعبد
من دون الله فهو مع من عبده، إنهم إنما يعبدون الشياطين ومن أمرتهم بعبادته، فأنزل
الله تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ
عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ (الانبياء:101)
ومنهم الأخنس بن شريق الثقفي،
وكان من أشراف القوم، وممن يستمع منه، وكان يصيب من رسول الله (ص) ويرد عليه، فأنزل
الله تعالى:﴿ وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ
بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ
زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ
آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)﴾(القلم)
ومنهم أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط،
وكانا متصافيين حسنا ما بينهما.
وقد روي أن عقبة بن أبي معيط كان يجلس مع
رسول الله (ص) بمكة ولا يؤذيه وكان رجلا حليما، وكان بقية قريش إذا جلسوا معه
آذوه، وكان لأبي معيط خليل غائب عنه بالشام ـ في رواية أنه أمية بن خلف ـ فقالت
قريش: صبأ أبو معيط.
وقدم خليله من الشام ليلا، فقال لامرأته:
ما فعل محمد مما كان عليه؟ فقالت: أشد ما كان أمرا، فقال: ما فعل خليلي أبو معيط؟
فقالت: صبأ.
فبات بليلة سوء، فلما أصبح أتاه أبو
معيط، فحياه فلم يرد عليه التحية فقال: ما لك لا ترد علي تحيتي، فقال: كيف أرد
عليك تحيتك وقد صبأت؟
قال: أوقد فعلتها قريش؟
ثم قال: ما يبرئ صدورهم إن أنا فعلت؟
قال: تأتيه في مجلسه، فتبزق في وجهه وتشتمه بأخبث ما تعلم من الشتم، ففعل، فلم يزد
النبي (ص) أن مسح وجهه من
البزاق([727]).
وقد روي أن عقبة لما تفل في وجه النبي (ص) رجع ما خرج منه إلى
وجهه، فصار
[727] رواه ابن مردويه وأبو
نعيم في الدلائل بسند صحيح.