ومنهم النضر بن الحارث، فقد روي
عن عروة أن النضر بن الحارث كان يؤذي رسول الله (ص) ويتعرض له، فخرج رسول الله (ص) يوما يريد حاجته في
نصف النهار في حر شديد، فبلغ أسفل من ثنية الحجون، فرآه النضر بن الحارث، فقال: لا
أجده أبدا أخلى منه الساعة، فأغتاله، فدنا الى رسول الله (ص) ثم انصرف راجعا مرعوبا إلى
منزله، فلقي أبا جهل، فقال: من أين؟ قال النضر: اتبعت محمدا رجاء أن أغتاله وهو
وحده، فإذا أسود تضرب بأنيابها على رأسي فاتحة أفواهها فذعرت منها ووليت راجعا،
فقال أبو جهل ـ الذي أصابه من قبل ما أصابه ـ: هذا بعض سحره([682]).
ومنهم دعثور بن الحارث الغطفاني،
فقد روي في الحديث: كنا مع رسول الله (ص) فبلغ رسول الله (ص) أن جمعا من غطفان من
بني ثعلبة بن محارب بذي أمر، قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله (ص)، معهم رجل يقال له:
دعثور بن الحارث، فخرج رسول الله (ص) في أربعمائة وخمسين رجلا، ومعهم أفراس،
فهزمت منه الاعراب فوق ذروة من الجبال، ونزل رسول الله (ص) ذا أمر فعسكر به، وأصابهم مطر
كثير، فذهب رسول الله (ص) لحاجته، فأصابه ذلك المطر فبل ثوبه، وقد جعل وادي ذي أمر بينه وبين
أصحابه، ثم نزع ثيابه فنشرها لتجف، وألقاها على شجرة، ثم اضطجع تحتها والأعراب
ينظرون، فقالت لدعثور وكان سيدها وأشجعها: قد أمكنك محمد، وقد انفرد من أصحابه،
حيث أن غوث بأصحابه لم يغث حتى تقتله، فاختار سيفا من سيوفهم صارما، ثم أقبل حتى
قام على رسول الله (ص) بالسيف مشهورا فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ فقال (ص): (الله عز وجل)،
ودفع جبريل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله (ص) وقام على رأسه، فقال: (من يمنعك
مني؟) قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله، لا أكثر
عليك جمعا أبدا، فأعطاه سيفه ثم أدبر، ثم أقبل بوجهه فقال: والله، لأنت خير مني،
فقال رسول الله (ص): (أنا أحق بذلك منك)
فأتى قومه فقالوا: أين ما كنت تقول،
والسيف في يدك، قال: قد كان والله ذلك، ولكن نظرت إلى رجل أبيض طويل، فدفع في
صدري، فوقعت لظهري، وعرفت أنه ملك، وشهدت أن محمدا رسول الله.