المحمولة على تلك الألفاظ، ولا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع
وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض، فيتوصلوا باختيار الأفضل
عن الأحسن من وجوهها، إلى أن يأتو بكلام مثله.
قلت: فأنت ترى أن القرآن
إنما صار معجزاً، لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، مضمناً أصح
المعاني.
قال: أجل.. ولا يمكننا ـ
ولو طفنا على الأرض بهذه الشاحنة ـ أن نستوفي ما يتطلبه هذا الإجمال من تفصيل،
وهذه القواعد من أمثلة.
ولكني أكتفي بأن أذكر لك
بأن الكتاب الذي يحتوي على كل هذه المعاني السامية، من وصف لله، ودعاء إلى طاعته،
وبيان منهاج عبادته، من تحليل وتحريم، ومن وعط وتقويم، وأمر بمعروف ونهي عن منكر،
وإرشاد إلى محاسن الأخلاق، وزجر عن مساوئها، مودعاً أخبار القرون الماضية، وما نزل
من مثلات الله بمن عصى وعاند منهم، منبئاً عن الكوائن المستقبلة في الأعصار
الباقية من الزمان، جامعاً في ذلك بين الحجة والمحتج له، والدليل والمدلول عليه،
ليكون ذلك أوكد للزوم ما دعا إليه، وإنباء عن وجوب ما أمر به ونهى عنه.. كتاب يعجز
جميع البشر.. بل تعجز جميع الكائنات أن تأتي بمثله.
صمت قليلا، وكأنه يسترجع
أنفاسه، ثم قال: ناحية أخرى جديرة بالاهتمام.. وهي أن الكلام الفصيح والشعر
الفصيح، يتفق ـ عادة ـ في القصيدة في البيت والبيتين والباقي لا يكون كذلك..
فتكتفي القصيدة بالتزين ببيتها أو بيتيها، وتظل عاطلة في سائر أبياتها.. أما
القرآن، فإنه كله فصيح يعجز الخلق عن آحاده كما يعجزون عن جملته.