يقدم غني من الأغنياء على عرف من الأعراف يستحدثه حتى يسرع
الفقراء إلى كتب أولادهم ودفارتهم يبيعونها ليشتروا بدلها الترف الذي ابتدعه
الغني.. وهو ما يتسبب بعد ذلك في انحرافات اجتماعية كثيرة تؤدي لا محالة إلى
انهيار القرى والحضارات.
واستنتج من المعنى
الثالث أن انتشار فكر الترف بين العامة والذي دل عليه المعنى الثاني يعميهم عن
الصالحين، فلا يرون صالحا للحكم غير المترفين، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى عن الطريقة التي تربع
بها فرعون على العرش:{ فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا
قَوْماً فَاسِقِينَ} (الزخرف:54).. فقد ربط تعالى بين استخفافه وفسقهم،
فلولا فسقهم، ما استخف بهم.
انتهى المحاضر من
محاضرته بعد أن ملأها بالشواهد التاريخية الكثيرة التي تؤكد ما ورد في القرآن.. ثم
طبق ما تقع فيه الحضارة الغربية على ما ورد في القرآن من حضارات مختلفة ليبين أن
مصير هذه الحضارة لا يختلف عن مصير تلك الحضارات.
لقد كانت محاضرة استفدت
منها كثيرا.. ورأيت امتلاء الكثيرين من الحاضرين بالبشر لشعورهم بما تضمنته
المحاضرة من معلومات منطقية مدعمة.
بعد انتهائه من
المحاضرة، وانصرافه، حثثت الخطى حتى وصلت إليه، وانتحيت به جانبا بمعزل عن
المحيطين به، وعرفته بنفسي، ففرح بي كثيرا، فقلت له: أنا أدعوك الآن لتحاضر لنا في
بعض مؤسساتنا عن نفس الموضوع.. ولكن بحسب نظرة الكتاب المقدس، لا بحسب القرآن.
اكفهر وجهه، وقال: أعتذر
إليك يا أخي.. أنا باحث علمي.. والباحث لا يتكلم إلا بما يهديه إليه بحثه، فإن شئت
أن أقدم لكم محاضرة بحسب ما يهديني إليه بحثي فعلت.