بقينا على هذه
الحال إلى أن طلعت الشمس من غير أن نشعر بها، ولا أن نشعر بشيء مما حولنا.. فقد
جعلنا ذكر الله ومناجاته نعيش في عوالم من الأنس لم نر مثلها طيلة حياتنا.
لكنا فجأة..
ونحن على تلك الحال التي وصفتها لك، سمعنا شهيقا وبكاء كثيرا استغربنا له.. فقد
كان له من الصدى ما لم يكن لأصواتنا المحدودة أن تحدثه.
فتحنا أعيننا،
والتفتنا إلى ما حولنا، فوجدنا ناسا كثيرين يحيطون بنا، وهم يرفعون أيديهم إلى السماء
كما نرفعها، وتنحدر الدموع من مآقيهم مثلما تنحدر من مآقينا.
لقد ملأنا ذلك
المشهد بالعجب.. فراح أحدنا يسألهم عن سرهم وسر حضورهم، فقام أحدهم، وقال: نحن قوم
من أهل هذه البلاد.. طردتنا الأرض، أو طردنا أهل الأرض، فلم نجد ملجأ إلا هذه
الأرض الوعرة التي وقعتم فيها، وقد كنا نسأل رب هذا الكون كل حين أن يدلنا عليه،
وأن يعرفنا به، وأن يأوينا إذ طردنا الناس، وأن يحمينا إذ قهرنا الناس، وأن يقربنا
إذ قلانا الناس.. وها قد استجاب لنا ربنا.. فقد سمعنا من ذكركم لربكم ومناجاتكم له
ما زادنا معرفة به، وحبا له، وأنسا به.
ونحن نشعر
الآن أننا قد ولدنا ولادتنا الحقيقية.. فلا خير في حياة لا يعرف صاحبها ربه.. ولا
خير في عيش لا يأنس صاحبه فيه بملك هذا الوجود ومالكه ومدبر أمره.
قال آخر: أنتم
أهل الله الذين ظللنا نحلم بأن نراكم، ونسمع كلامكم، ويسري إلينا من أحوالكم ما
يخرجنا من أوهام النفوس ودجل الشياطين.
قال آخر: لقد
من الله علينا أخيرا فأرسل لنا من دلنا عليه، ونحن شاكرون فضله، حامدون نعمته، ولا
نطلب منه إلا أن يذيقنا من الأنس به والشوق له ما أذاقكم، وأن يسقينا من الشراب
الذي سقاكم.