قال: معرفة
الله على قسمين: معرفة برهان، ومعرفة عيان.. أما البرهان، فللمتكلمين.. وأما
العيان فللمشاهدين.. ففي الوقت الذي يتيه فيه العلماء بحثا عن الأدلة، ويتنازعون
وفق ما تقتضيه أنظارهم يجلس العارفون المتخلصون من كثافة حجاب العقل المقيد بقيود
الحس والوهم في أرائك جنة المشاهدة والمكاشفة واليقين.
قال المريد:
من هم المشاهدون؟
قال: من لم
تحجبهم الأكوان عن ربهم.. ومن استدلوا بالله على الله([355]).. فشَتَّانَ
بَينَ مَنْ يَسْتَدِلُّ بِاللهِ ومن يَسْتَدِلُّ على الله.. المُسْتَدِلُّ بِالله
عَرَفَ الحَقَّ لأَهْلِهِ، فأَثْبَتَ الأَمْرَ مِنْ وُجودِ أَصْلِهِ.. ومن استدل
على الله، فذلك مِنْ عَدَمِ الوُصولِ إليَهِ.. وَإلّا فَمَتى غابَ حَتّى
يُسْتَدَلَّ عَلَيْهِ؟!.. وَمَتى بَعُدَ حَتّى تَكونَ الآثارُ هِيَ الَّتي
تُوْصِلُ إلَيْهِ؟!
قال المريد:
فكيف يتحققون بهذا؟
قال: بالصفاء..
فإنه:
إذا سكن الغدير على صفاء
وجنب أن يحركه النسيم
بدت فيه السماء بلا امتراء
كذاك الشمس تبدو والنجوم
كذاك قلوب أرباب التجلي
يرى في صفوها الله العظيم
[355] سنذكر هنا ـ بتصرف
ـ بعض ما أورده ابن عطاء الله في حكمه من الطريق إلى معرفة الله على منهج أهل
المحبة.