وأما الثاني..
فهو ـ على ما يبدو ـ يوناني الأصل، فقد كان الناس يطلقون عليه لقب (ديموقريطس)([27])، ولست أدري
هل هو لقبه.. أم أنه تسمى به تأثرا بذلك العالم اليوناني الكبير الذي ينسب إليه
(المذهب الذري)([28])
سأنقل لكم بعض
ما وصل إلى سمعي من حديثهما:
قال الباقلاني
لديموقريطس: أنت الآن تريد أن تحيي بيننا ما ذهب إليه ديموقريطس من أفكار.. ولا
ألومك في ذلك.. ولكني أريد أن أسألك: هل دعاك لذلك المنهج العلمي الذي تفرضه العقول
السليمة، أم أنه مجرد تعصب لرجل تزعم أنه من أجدادك؟
قال
ديموقريطس: بكليهما أنا أحتج.. ولكليهما أنا أجنح.
قال
الباقلاني: لا أستطيع أن أناظرك في الثاني.. فقد علمنا قرآننا أن المنهج الذي
يعتمد على الآباء والأجداد منهج خاطئ، قال تعالى يعاتب من استعمله: وَإِذَا
قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ
[27] نشير به إلى ديموقريطَسْ (460؟ ق.م -370؟
ق.م)، هو فيلسوف مادّي يوناني ، حاول أن يبرهن أنَّ العالم مكوَّن من عدد غير
محدود من الذَّرات، يتحرك في فراغ لا حدود له. وهذه الذَّرات جُسَيمات من المادَّة
غير المرئية، وغير القابلة للانقسام، وغير المولّدة أو القابلة للإتلاف. وتختلف عن
بعضها في الحجم والشَّكل والوضع. وكل شيء في هذا العالم مكوّن من مجموعة مختلفة عن
غيرها من هذه الذَّرات، وقد جاء عالمنا من تركيب عَرَضي لهذه الذَّرات. وبسبب وجود
عدد غير محدود من الذَّرات، فقد وجدت عوالم أُخرى أَيضًا.
[28] المذهب الذرّي هو عبارة عن فكرة فلسفية تطوّرت في اليونان خلال القرن
الخامس قبل الميلاد.. وهي ترى أن العناصر الأساسية للحقيقة تتشكّل من الذرة غير
القابلة للانقسام والإتلاف، وهي مادة سابحة في الفضاء.. ويظنّون أن الذرّة لها
حركة، ولكنها تنعدم وترتدُّ بعد ارتطامها. وقد تكوّنت الدنيا نتيجة هذه الحركات.
ووجدت لفترة من الزمن ثم اختفت. وهذه العوالم والأشياء الظاهرية التي وجدت عليها
تختلف فقط في الحجم والشكل وموضع ذراتها.