أراد
أن يكتب القرآن الحكيم كتابة تليق بقدسية معانيه الجليلة، وتناسب إعجازه البديع،
فأراد أن يُلبِس القرآن الكريم ما يناسب إعجازه السامي من ثوب قشيب خارق مثله.
فطفق بكتابة القرآن، وهو مصور
مبدع، كتابة عجيبة جداً مستعملاً جميع أنواع الجواهر النفيسة ليشير بها إلى تنوع
حقائقه العظيمة، فكتب بعض حروفه المجسمة بالألماس والزمرد، وقسماً منها باللؤلؤ
والمرجان، وطائفة منها بالجوهر والعقيق، ونوعاً منها بالذهب والفضة.. حتى أضفى
جمالاً رائعاً وحسناً جالباً يعجب بها كل من يراها سواء أعلم القراءة أم جهلها..
فالجميع يقفون أمام هذه الكتابة البديعة مبهوتين يغمرهم التبجيل والإعجاب، ولا
سيما أهل الحقيقة لما يعلمون أن هذا الجمال الباهر يشف عما تحته من جمال المعاني،
وهو في منتهى السطوع واللمعان وغاية اللذة والذوق.
ثم إن هذا الحاكم العظيم عرض
هذا القرآن البديع الكتابة، الرائع الجمال، على فيلسوف أجنبي، وعلى عالم مسلم..
وأمر كل واحد منهما بتأليف كتاب حول حكمة هذا القرآن.. ملمحاً الى اختبارهما
ليكافئهما.
وقد استجاب كلا الرجلين لهذا
الطلب:
أما الفيلسوف - وقد كان
بالإضافة إلى خبرته بالفلسفة مهندسا بارعا، ومصورا فنانا، وكيميائيا حاذقا، وصائغا
ماهرا - فقد كتب كتابه وفق ما يتقنه من مهارات، وما يجيده من فنون.. ولهذا اقتصر
كتابه على البحث عن نقوش الحروف وجمالها، وعلاقة بعضها ببعض، وأوضاع كل منها،
وخواص جواهرها وميزاتها وصفاتها فحسب.. ولم يتعرض في كتابه إلى معاني ذلك القرآن
العظيم قط، إذ أنه جاهل باللغة العربية جهلاً مطبقاً، بل لم يدرك أن ذلك القرآن
البديع هو كتاب