responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الباحثون عن الله نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 629
قال آخر: أجل.. منذ سمعت كلماته، وأنا لا أحن لشيء حنيني للعمل في هذا السجن.. ولست أخاف من شيء خوفي من خروجه منه.

قلت: لقد شوقتموني.. فمن هذا السجين العجيب؟

قال مسؤول السجن: إنه رجل تجرع كل الآلام.. لقد ذاق وأهل بيته من الألم ما لم يذق مثله أحد.. ومع ذلك تراه كالبحر المحيط لا يتحرك، ولا يتزعزع.

قال آخر: بل إن الإعدام ينتظره.. فلم يبق بينه وبين الموت إلا أيام معدودة.. ومن حسن حظك أننا لم نعدمه قبل حضورك.

قلت: فهل يعلم بأنه سيعدم قريبا؟

قال المسؤول: أجل.. وقد تعجبت من موقفه عندما أعلمته بالخبر.. لقد ظللت وقتا طويلا أتردد في إخباره، وفي الأسلوب الذي أخبره به.. ولكني ما إن دخلت عليه، وهو يحدث رفاقه في السجن، وأخبرته حتى نظر إلي بابتسامته المعهودة، وشكرني كما كان يشكرني كل حين.. ثم راح يواصل حديثه.. وكأني لم آت له بما تتزعزع له قلوب الرجال.

قلت: لقد رغبتموني في الجلوس إليه.. فما اسمه؟

قال المسؤول: لقد اختار أصحابه أن يطلقوا عليه لقب (الكاظم)([324])


[324] أشير به إلى الإمام الجليل (موسى الكاظم بن جعفر الصادق) (128 ـ 183 هـ)، وهو سابع أئمة أهل البيت – على مذهب الاثنا عشرية- ويعرف بألقاب متعددة منها: الكاظم ـ وهو أشهرها ـ والصابر والصالح.

كان أعبد أهل زمانه وأزهدهم وأفقههم، وكان يدعى العبد الصالح من عبادته واجتهاده، وقد أخذ عنه العلماء فأكثروا، ورووا عنه في فنون العلم ما ملاَ بطون الدفاتر، وألّفوا في ذلك الموَلّفات الكثيرة، المروية عنهم بالاَسانيد المتصلة، وكان يعرف بين الرواة بالعالم.

وكان جليل القدر، عظيم المنزلة، مهيب الطلعة، كثير التعبّد، عظيم الحلم، شديد التجاوز حتى لقّب بالكاظم، وقد لاقى من المحن ما تنهدّ لهولها الجبال، فلم تحرك منه طرفاً، بل كان صابراً محتسباً كحال آبائه وأجداده.. وكان أحمد بن حنبل إذا روى عنه قال: حدثني موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن علي، قال: حدثني أبي علي ابن الحسين، قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب، قال: قال رسول اللّه ، ثم قال أحمد: (وهذا إسناد لو قرئ على المجنون لأفاق)

وقد روي عن أبي حنيفة أنّه حجّ في أيّام الصادق، فلمّا أتى المدينة دخل داره وجلس ينتظر فخرج صبي، فسأله أبو حنيفة عن مسألة، فأحسن الجواب، قال أبو حنيفة: فأعجبني ما سمعت من الصبي، فقلت له ما اسمك؟ فقال له: (أنا موسى بن جعفر..) فقلت له: ياغلام ممّن المعصية؟ فقال: (إنّ السيئات لا تخلو من إحدى ثلاث، إمّا أن تكون من اللّه وليست منه، فلا ينبغي للرب أن يعذب العبد على ما لا يرتكب، وأمّا أن تكون منه ومن العبد وليست كذلك، فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف، وأمّا أن تكون من العبد وهي منه، فإن عفا فبكرمه وجوده، وإن عاقب فبذنب العبد وجريرته)

وكان يسكن المدينة، فأقدمه المهدي بغداد وحبسه، فرأى في النوم الاِمام عليّا وهو يقول: يامحمد:﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إن تَوَلّيْتُمْ أن تُفْسِدُوا في الاَرضِ وتُقَطِّعُوا أرْحَامَكُم ﴾ (محمّد: 22) فأطلقه وردّه إلى المدينة، فأقام بها إلى أيام هارون الرشيد.

من كلامه: (وجدت علم الناس في أربع: أوّلها: أن تعرف ربك، والثانية: أن تعرف ما صنع بك، والثالثة: أن تعرف ما أراد منك، والرابعة: أن تعرف ما يخرجك عن دينك)

وقال: (المؤمن مثل كفتي الميزان كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه)

وقال: (تفقّهوا في دين اللّه فإنّ الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة، والسبب إلى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا، وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب، ومن لم يتفقه في دينه لم يرض اللّه له عملاً)

وقد اتفقت كلمة المؤرّخين على أنّ هارون الرشيد قام باعتقال الاِمام الكاظم وإيداعه السجن لسنين طويلة، مع تأكيده على سجّانيه بالتشديد والتضييق عليه، وذكر أنّه لما طال به الحبس كتب إلى الرشيد يقول:(إنّه لم ينقضِ عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك يوم من الرخاء، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون)

ولم يزل ذلك الأمر بالاِمام يُنقل من سجن إلى سجن حتى انتهى به الاَمر إلى السّندي بن شاهك،وكان فاجراً فاسقاً، لا يتورّع عن ارتكاب أي شيء تملّقاً ومداهنة للسلطان، فغالى في التضييق عليه حتى جاء أمر الرشيد بدسّ السم له، فأسرع السندي إلى إنفاذ هذا الأمر العظيم، فاستشهد بعد طول سجن ومعاناة، وذلك في سنة ثلاث وثمانين ومائة. (انظر: موسوعة أصحاب الفقهاء)

نام کتاب : الباحثون عن الله نویسنده : د. نور الدين أبو لحية    جلد : 1  صفحه : 629
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست