وفي حديث
الآخر ورد في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها، أن اللّه يأخذ عهوده
ومواثيقه أن لا يسأل غير ما هو فيه، ويتكرر ذلك مراراً، ويقول اللّه تعالى:( يا
ابن آدم ما أغدرك!) ثم يأذن له في دخول الجنة([281]).
زيادة على ذلك
ما ثبت في النصوص الكثيرة من الامتحانات والأسئلة التي يتعرض لها أهل القبور.
قلت: ولكن ألا
ترى غرابة واستحالة أن يكلفهم اللّه دخول النار، لأن ذلك ليس في وسعهم؟
قال: ولكن ذلك
في وسعهم من جهة، وهو مع مشقته لا يختلف كثيرا عن الكثير من التكاليف التي يطلب
بها الفوز بسعادة الأبد:
ومنها أن الله
تعالى يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط، وهو جسر على جهنم أحد من السيف
وأدق من الشعرة، ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم كالبرق، وكالريح، وكأجاويد
الخيل، والركاب، ومنهم الساعي ومنهم الماشي، ومنهم من يحبو حبواً، ومنهم المكدوش
على وجهه في النار، وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا بل هذا أطم وأعظم.
ومنها ما ثبت
في السنّة بأن الدجال يكون معه جنة ونار، وقد أمر (ص)
المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار فإنه يكون عليه برداً
وسلاماً([282])،
وهذا يشبه إلى حد كبير
[281] الحديث طويل رواه البخاري ومسلم وعبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد
والنسائي والدارقطنى في الرؤية والبيهقي في الأسماء والصفات.
[282] الحديث طويل، وهو مروي في أكثر أصول السنة، وموضع الشاهد منه قوله r:( إنه يبدأ فيقول: أنا نبي ولا نبي
بعدي ثم يثني فيقول: أنا ربكم ولا ترون ربكم حتى تموتوا وإنه أعور وإن ربكم عز و
جل ليس بأعور وإنه مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كل مؤمن كاتب وغير كاتب وإن من
فتنته أن معه جنة ونارا فناره جنة وجنته نار فمن ابتلي بناره فليستعن بالله وليقرأ
فواتح الكهف فتكون عليه بردا وسلاما كما كانت النار على إبراهيم)، وبهذا اللفظ راه
أبو داود وابن ماجه.