على الاختيار وفقا لما يفهمه عقله.. فالأعمال الجريئة التي يقوم بها
الإنسان تبرهن على أن الإرادة تفرض نفسها حتى على الخوف من الموت، فالعواطف تثيرها
الحواس، ولكن الإرادة تختار وفقا لما يراه العقل.. بل إننا كثيرا ما نقول إن فلانا
من الناس قد تغلب على عاطفته، لأنه كان عنده سبب وجيه للقيام بذلك.
بعد كل هذا..
وبعد أن ألغيت من عقلي كل تلك المفاهيم التي كانت تقيده، وتحمل صورة مشوهة عنه..
يسر الله لي أن أؤكد كل هذا بدليل حسي من خلال عمليات جراحية أجراها صديقي ويلدر
بنفيلد([17])
على أدمغة ما يربو على ألف مريض فى حالة الوعى.
لقد كانت
ملاحظات بنفيلد حول وظيفة الدماغ تفوق فى حجيتها وكمالها جميع الأدلة السابقة غير
المباشرة المستفادة من بحوث أجريت على حيوانات، ومن عمليات جراحية أجريت على أدمغة
أشخاص مبنجين.
لقد اكتشف
بنفيلد عام 1993 بمحض الصدفة أن تنبيه مناطق معينه فى الدماغ بالكهرباء تنبيها
خفيفا يحدث استرجاعا فجائيا للذاكرة عند المريض الواعى.
لقد ساورت
بنفيلد الشكوك أول الأمر، ثم أخذته الدهشة، فعندما لامس القطب الكهربائى قشرة مخ
شاب تذكر هذا الشاب أنه كان جالسا يشاهد لعبة (بيسبول) فى مدينة صغيرة، ويراقب
ولدا صغير يزحف تحت السياج، ليلحق بجمهور المتفرجين، وهناك مريضة أخرى سمعت آلات
موسيقية تعزف لحنا من الألحان.. لقد حدثني بنفيلد عن هذا الخبر، فقال:( أعدت تنبيه
الموضع نفسه ثلاثين مرة محاولا تضليلها، وأمليت كل استجابة على كاتبه الاختزال،
وكلما أعدت تنبيه الموضع كانت المريضة تسمع اللحن من جديد، وكان اللحن يبدأ فى
المكان
[17] هو بنفيلد، وايلدر جريفز (1891-1976م). اختصاصي أعصاب
كندي.