أعذرنا إلى الثقلين بإرسال الرسل وإنزال الكتب لئلا
يؤاخذ أحد بظلمه وهو لم تبلغه دعوة، ولكن أعذرنا إلى الأمم وما عذبنا أحد إلا بعد
إرسال الرسل إليهم.
ولهذا تستفهم الملائكة
ـ عليهم السلام ـ المعذبين عن إرسال الرسل إليهم بمجرد إلقائهم في العذاب، كما قال
تعالى: كُلَّمَا
أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا
بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ
شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (الملك:8 ـ 9)، وقال تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ
عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا
بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (الزمر:71)، وقال
تعالى: وَهُمْ
يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي
كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ
وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (فاطر:37)
وقد بين الله تعالى
سنته في ذلك ـ والتي لا تبديل لها ـ فقال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ
رَسُولاً (الاسراء:
من الآية15)
قلت: ولكن الرسل
معدودون ومحدودون.. وأنت ترى أن أجيالا مرت على البشرية لم يرسل لها فيها رسول
واحد.
قال: لقد تفضل الله على
عباده برحمته، فأنزل عليهم كتبا فيها كلامه لهم.. ليعرفهم فيها بنفسه، وبحقيقتهم،
ووظيفتهم، ويدعوهم بكل الأساليب ليتخلصوا بها من كل الحجب، ويقضوا على كل العصابات
التي تحول بينهم وبين الامتحان العظيم الذي أعده لهم.
وكتب الله لا تعد ولا
تحصى، وكلمات الله إلى خلقه لا تنفذ، قال تعالى:P قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ
رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا
بِمِثْلِهِ مَدَداً) (الكهف:109)،