وإلى جانب
الحواس الخارجية نجد تحت تصرفنا مجموعة كبيرة من ملكات الإحساس الداخلى.. يدل على
ذلك أننا نملك القدرة على المقارنة بين الإحساس بالبياض وبحلاوة الطعم مع عظم
الفارق بينهما.. فالعين تدرك البياض، ولا تدرك الحلاوة، واللسان يدرك الحلاوة، ولا
يدرك البياض، فلا اللسان ولا العين يستطيعان التمييز بين البياض والحلاوة، لأن أيا
منهما لا يدرك الاثنين معا، وما من حاسة خارجية تستطيع أن تؤدى هذه المهمة.. فلذلك
لا بد من أن تكون فينا حاسة داخلية تستطيع أن تدرك جميع الصفات التى تدركها الحواس
الخارجية، وأن تميز بينها.
ونحن كذلك
نملك القدرة على أن نستدعى أمورا لم تعد حاضرة، فعملية التذكر شىء حاضر بالفعل،
ولكن الشىء الذى نتذكره ليس كذلك، إذ أن إدراكنا الحسى الأصلى قد زال على نحو ما،
ولكنه مع ذلك تحت تصرفنا، فالذاكرة لا تستحضر التجربة الماضية فحسب، بل تستحضرها
بوصفها حدثا ماضيا، وتستطيع ترتيبها من حيث صلتها بتجارب أخرى ماضية.. بل إن
المدهش هو قدرتنا على أن نجعل أنفسنا نتذكر الشىء المنسى.
بالإضافة إلى
كل هذا.. فالخيال ملكة حسية داخلية أخرى نستطيع بواسطتها أن نتصور لا الأشياء
المدركة بالحواس فحسب، بل الأشياء التى لا تدركها هذه الحواس كجبل من ذهب أو فيل
بحجم البرغوث، فالخيال، بخلاف الذاكرة، يستخدم المعلومات الواردة من الحواس
الخارجية بحرية وبطريقة إبداعية.
بالإضافة إلى
كل هذا، فلدينا على قدرات عجيبة على الإحساس بالعواطف، كالحب والغضب والفرح والخوف
والأمل والرغبة والحزن، تربطنا بالعالم بطريقة أخرى مختلفة كذلك.. فكل عاطفة تنشأ
من فعل ملكة حسية، سواء كانت حاسة خارجية كالخيال، أو الذاكرة.
بعد أن وصلت
إلى كل هذا عرفت أني لم أصل بعد إلى عقل الإنسان.. فأكثر الحيوانات