قال الراوندي:
لا بأس.. إن هذا الفرض الذي فرضته سيلزم عنه القول برجحان الشيء بدون مرجح له، وهو
باطل كما علمت، فبطلت الفرضية التي استلزمتها أيضا.
لقد قال
الفارابي الذي أراك تقدره وتحترمه يقرر هذا: (إن الموجودات على ضربين: أحدهما ممكن
الوجود، والثاني واجب الوجود.. وممكن الوجود إذا فرض غير موجود لم يلزم عنه محال،
وليس بغني بوجوده عن علته وإذا وجد صار واجب الوجود لغيره لا بذاته.. أما واجب
الوجود فمتى فرض غير موجود لزم عنه محال، ولا علة لوجوده ولا يجوز كون وجوده
بغيره، والأشياء الممكنة لا يجوز أن تمر بلا نهاية في كونها علة ومعلولة.. ولا
يجوز كونها على سبيل الدور، بل لا بد من انتهائها إلى شيء واجب هو الموجود الأول
الذي هو السبب الأول لوجود الأشياء وهو الله تعالى)
و على تعبير
ديكارت القريب التناول: (إنني موجود فمن أوجدني ومن خلقني؟.. إنني لم أخلق نفسي..
فلا بد لي من خالق.. وهذا الخالق لا بد أن يكون واجب الوجود وهو الله بارئ كل شيء)
و على تعبير
باسكال:(إنه كان يمكن أن لا أكون لو كانت أمي قد ماتت قبل أن أولد حيا، فلست إذا
كائنا واجب الوجود.. فلا بد من كائن واجب الوجود يعتمد عليه وجودي وهو الله)
وقد عبر
القرآن الكريم على ذلك بأوجز عبارة، فقال: أَمْ
خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (الطور:35)
قال ابن
الراوندي: فلنفرض أن العالم قديم في وجوده.. أي لا أول له، ولا سبق للعدم عليه.
قال
الراوندي: كيف ذلك؟
قال ابن
الراوندي: عن طريق التوالد الذاتي.. فكل سبب طبيعي له سبب طبيعي إلى ما لا