القديم
الأزلي الذي لا أول له، فلا يصح أن يشتركا بناء على ذلك في حكم واحد.
وعلى هذه الطريقة من القياس
الفاسد من أساسه صيغت تلك المغالطة الجدلية..
نعم.. أنتم تتفننون في ستر عورة
هذه المغالطة، وذلك بعبارات التقدم العلمي، والمناهج العلمية، والتقدم الصناعي،
والمناهج العقلية في تقصي المعرفة، والاتجاهات الثورية في المجتمع والاقتصاد..
وتخلطون هذه العبارات خلطاً.. وتحشرونها في كل مكان ومع كل مناقشة، تمويهاً
وتضليلاً، وكأن التقدم العلمي والصناعي للإلحاد وحده، وليس للإيمان، مع أن الدنيا
جميعها وما فيها من ماديات قد كانت وما زالت ولن تزال حتى تقوم الساعة للمؤمنين
والكافرين وغيرهم على السواء، ضمن سنن الله الثابتة التي لا تتغير، وهي مجال مفتوح
لكل الناس، إذ يمتحن الله بها إرادتهم وسلوكهم في الحياة، ليبلوهم أيهم أحسن
عملاً.
قال العظم:
دعنا من كل هذه الخطابات، وأنبئني: لِمَ لا تكون المادة الأولى لهذا الكون
(كالسديم مثلاً) قديمة أزلية غير حادثة ،تنطلق منها التحولات، ثم ترجع إليها
التحولات؟
قال حبنكة: إن الجواب على هذا
يؤخذ من الكون نفسه، وما فيه من صفات وخصائص، فالكون يحمل دائماً وباستمرار صفات
حدوثه، تشهد بهذه الحقيقة النظرات العقلية المستندة إلى المشاهدات الحسية.. وتشهد
بها البحوث العلمية المختلفة في كل مجالات المعرفة.. حتى القوانين العلمية التي
توصَّل إليها العلماء الماديون تشهد بهذا.
وإذا ثبت أن هذا الكون حادث له
بداية وله نهاية كان لا بد له من علة تسبب له هذا الحدوث، لاستحالة تحول العدم
نفسه إلى وجود، أما ما لا يحمل في ذاته صفات تدل على حدوثه فوجوده هو الأصل، ولذلك
فهو لا يحتاج أصلاً إلى موجد يوجده.. وكل تساؤل عن سبب وجوده تساؤل باطل منطقياً،
لأنه أزلي واجب الوجود، وليس حادثاً حتى يُسأل عن سبب وجوده.