أما ما ذكروه
من أن الطبيعة (أي الموجود المادي الذي هو كل الوجود) سرمدية أزلية أبدية لا بداية
لها ولا نهاية، فهو ادّعاء منقوض ببراهين العقل ودلائل العلم، التي تثبت حدوث
الكون، وتثبت مصيره إلى الفناء.. وما عليك إلا أن تسير في هذه البلدة قليلا لترى
من العلماء من يبيبن لك ـ حسا ـ أن المادة ليست أزلية كما تزعمون([57]).
أما ما ذكروه
من أن الطبيعة ليست ساكنة، بل هي ملازمة للحركة، وهي في تطور وتغير دائمين.. فهو
مبدأ لا حرج فيه.. بل إنه من مقررات المؤمنين بالله، سواءٌ أكانوا أتباع دين رباني
صحيح أو فلاسفة مثاليين.. وهو من الأدلة التي هدتهم إلى حدوث الكون، وحاجته إلى
محدثٍ خالق بارئ مصور، إذ يقولون: العالم متغير، وكل متغير حادث، فالعالم حادث،
وكل حادث لا بد له من محدث، فالعالم لا بد له من محدث([58]).
أما ما ذكروه
من أن الوعي لمادة عالية التنظيم وهي الدماغ، وأن الحياة وظيفة من وظائف المادة
متى وصل تركيبها إلى وضع خاص، فهو مخالف لما كشفته العلوم الكثيرة.. فآخر ما توصلت
إليه العلوم الإنسانية، والتي أنفقت في سبيلها ألوف الملايين، وعشرات السنين، قد
انتهت إلى قرار علمي جازم هو أنه لا تتولد الحياة إلا من الحياة، وأن وسائل العلوم
الإنسانية لا تملك تحويل المادة التي لا حياة فيها، إلى أدنى وأبسط خلية حية([59]).
[57] ذكرنا الأدلة العلمية الكثيرة على ذلك في هذا الفصل.
[58] ذكرنا هذه النوع من الاستدلال في المناظرة الأولى.
[59] هذا من الحقائق العلمية التي لم تزدها الأيام إلا تأكيدا، وقد
تواترت شهادات العلماء على ذلك، يقول (رسل تشارلز إرنست) أستاذ الأحياء والنبات
بجامعة فرنكفورت بألمانيا:( لقد وضعت نظريات عديدة لكى تفسر نشأة الحياة من عالم
الجمادات ، فذهب بعض الباحثين إلى أن الحياة قد نشأت من البروتوجين ، أو من
الفيروس أو تجمع بعض الجزئيات البروتينية الكبيرة وقد يخيل إلى بعض الناس أن هذه
النظريات قد سدت الفجوى التى تفصل بين عالم الأحياء وعالم الجمادات.. ولكن الواقع
الذى ينغى أن نسلم به هو أن جميع الجهود الذى بذلت للحصول على المادة الحية من غير
الحية قد باءت بفشل وخذلان ذريعين. ومع ذلك فإن من ينكر وجود الله لا يستطيع أن
يقيم الدليل المباشر للعالم المتطلع ، على أن مجرد تجمع الذرات والجزئيات من طريق
المصادفة ، يمكن أن يؤدى إلى ظهور الحياة وصيانتها وتوجيهها بالصورة التى شاهدناها
فى الخلايا الحية. وللشخص مطلق الحرية فى أن يقبل هذا التفسير لنشأة الحياة ، فهذا
شأنه وحده ! ولكنه إذ يفعل ذلك ، فإنما يسلم بأمر أشد إعجازا أو صعوبة على العقل
من الاعتقاد بوجود الله ، الذي خلق الأشياء ودبرها)
ويضيف:
( إنني أعتقد أن كل خلية من الخلايا الحية قد بلغت من التعقد درجة يصعب علينا
فهمها ، وأن ملايين الملايين من الخلايا الحياة الموجودة على سطح الأرض تشهد
بقدرته شهادة تقوم على الفكر والمنطق. ولذلك فإننى أؤمن بوجود الله إيمانا راسخا
(من مقال (الخلايا الحية تؤدى رسالتها) من كتاب (الله يتجلى فى عصر العلم) ، ص 77)
ويقول
إيرفنج وليام (دكتوراه من جامعة أيووا وإخصائى وراثة التبانات ، وأستاذ العلوم
الطبيعية بجامعة ميتشجان): ( إن العلوم لا تستطيع أن تفسر لنا كيف نشأت تلك
الدقائق الصغيرة المتناهية فى صغرها ، والتى لا يحصيها عد ، وهى التى تتكون منها
جميع المواد. كما لا تستطيع العلوم أن تفسر لنا – بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها – كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكى تكون الحياة) (الله يتجلى فى عصر
العلم، ص 52)