لكني لن أحدثك
الآن إلا عن مذهبي الذي فسرت به الوجود.. كل الوجود..
وإن شئت
الصراحة.. فسميي ماركس اعتمد في نظريته العظيمة على ثلاثة أركان كبرى تقوم عليها
الفلسفة الغربية المتحضرة..
أما أولها..
وهو الفكر الذي يفسر الوجود بالمادة البحتة.. فلنا فيه أساتذة كثر.. ابتدأوا منذ
بدأت هذه الحضارة.. لكن أشهرهم اثنان (أوجست كونت)، و(فرباخ)([55]).. وقد قامت
فلسفتهما على سيادة الطبيعة، بل عبادتها.. فالطبيعة هى التى تنقش الحقيقة فى ذهن
الإنسان.. وهى التى توحى بها وترسم معالمها.. هى التى تكون عقل الإنسان.. والإنسان
– لهذا – لا يملى عليه من ذاته الخاصة.. إذ ما يأتى
من (ما وراء الطبيعة) خداع للحقيقة، وليس حقيقة..ومثله ما يتصوره العقل من نفسه
هو ليس إلا وهما وتخيلا للحقيقة، وليس حقيقة أيضا.
وبناء على هذه
النظرة يكون الدين الذي يعبر عما بعد الطبيعة مجرد خدعة.
وأما الركن
الثاني، وهو الجدلية فقد كان من أساتذة سميي فيها (فيشته) و(هيجل).. وقد كان الأصل
فى هذا النوع من التفكير الجدلى الدياكتيكى هو البحث عن تصور فلسفى يسمح بوجود
المتناقضات فى الكون والحياة ويفسرها.
ذلك أن المنطق
اليونانى القديم، وهو المنطق الصورى كان ينفى وجود التناقض فى الكون والحياة،
ويقيم تفكيره على أساس أن الشئ ونقيضه لا يمكن أن يجتمعا، فوجود أى شئ هو ذاته نفى
قاطع لوجود نقيضه.
ولكن الفكر
الأوروبى منذ عصر النهضة كانت له التفاتات مختلفة عنه فى مجالات متعددة..
[55] سبق أن أشرنا إلى مضمون هذه الفلسفة.. ونحب أن ننبه ـ هنا، بناء
على ما ذكر الباحثون ـ أن الاتجاه المادى قديم فى الحياة الأوروبية ، فهو يتجلى فى
بعض اتجاهات الفلسفة الإغريقية القديمة، واتجاهات الحياة الرومانية قبل المسيحية..