علم
على حقيقة يقبلها المجتمع أو يرفضها، أو يقبلها في شكل ناقص.. ويبقى الدين في جميع
هذه الأحوال حقيقة واحدة في ذاتها، وإنما يختلف في أشكاله المقبولة، ولهذا لا يمكن
أن نفهم حقائق (الدين) بمجرد فهرسة مماثلة لجميع الأشكال الموجودة في المجتمعات
باسم الدين.
قال راسل:
أراك انتقدت منهج بحثنا عن الإله.. فما المنهج الذي تراه سليما للبحث عنه؟
قال خان: هذا
أهم سؤال طرحته.. وينبغي لأي باحث أن يطرحه.. فقضية العصر الحاضر وكل العصور ضد
الدين هي قضية طريقة الاستدلال.
لقد كان الناس
في القديم يصنعون السفن الشراعية من الخشب اعتقادا منهم أن الماء لا يحمل إلا ما
يكون أخف منه وزنا، وحين قال بعضهم: إن السفن الحديدية سوف تطفو على سطح الماء
كالتي من الخشب، أنكر الناس عليه مقالته واتخذوه هزوا، وجاء نحاس فألقى بنعل من
حديد في دلو مملوء بالماء ليشهد الناس على أن هذه القطعة الحديدية -بدل أن تطفو
على سطح الماء- استقرت في القاع، وكان هذا العمل تجربة، ولكننا جميعا نعتقد اليوم
أنها كانت تجربة باطلة، فلو كان النحاس قد ألقى بطبق من حديد لشاهد بعينه صدق ما
قيل من طفو السفن الحديدية.
وفي بداية
القرن العشرين كنا كذلك نملك تلسكوبا ضعيفا، فلما شاهدنا السماء بهذا النظار وجدنا
أجراما كثيرة كالنور، فاستنبطنا أنها سحب من البخار والغاز تمر بمرحلة قبل أن تصير
نجوما، ولكنا حين تمكنا من صناعة منظار قوى وشاهدنا هذه الأجرام مرة ثانية علمنا
أن هذه الأجرام الكثيرة المضيئة هي مجموعة من نجوم كثيرة شوهدت كالسحب نتيجة البعد
الهائل بينها وبين الأرض.
وهكذا نجد أن
التجربة والمشاهدة ليستا وسيلتي العلم القطعيتين، وأن العلم لا ينحصر في الأمور
التي شوهدت بالتجربة المباشرة.