عرف القرآن الكريم الصابرين بقوله: وَبَشّـِرِ الصَّبِرِينَ* الَّذِينَ إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ([288])، ومن المعلوم عدم أرادة مجرد التلفظ بالجملة من غير حضور معناها بالبال، ولا مجرد الإخطار من غير تحقق بحقيقة معناها، وهي كون الإنسان وجميع الموجودات – بما فيها الأسباب المادية التي يتوقع الإنسان أن تصيبه بالضرر- مملوك لله بحقيقة الملك، وهو المتصرف والمدبر لها بمقتضى ربوبيته تعالى لها، فلا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلاّ عن إذن منه، ولا يفعل فاعل ولا يقبل قابل إلاّ عن علم سابق منه ومشية لا يخطئ علمه ومشيته و لا يرد قضاؤه.
وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ([289])، وعليه فليس لموجود أن ينفع آخر او يضـرّه إلاّ بإذنه، فالأمر ليس راجعاً للأسباب الطبيعية وإن الأمر لله جميعاً.
فالإذعان بما تقدم يستعقب اهتداء النفس إلى هذه الحقائق واطمئنان القلب وسكونه وعدم اضطرابه وقلقه من جهة تعلقه بالأسباب الظاهرية وإسناده المصائب والنوائب المرة إليها دون الله سبحانه.