نام کتاب : سنن النبي ( ص ) ( مع ملحقات ) نویسنده : السيد الطباطبائي جلد : 1 صفحه : 70
كان ( عليه السلام ) - على ما يقصه القرآن - قد سأل ربه أن ينزل على قومه العذاب فأجابه إلى ذلك فأخبرهم به ، فلما أشرف عليهم العذاب بالنزول تابوا إلى ربهم فرفع عنهم العذاب ، ولما شاهد يونس ذلك ترك قومه وذهب لوجهه حتى ركب السفينة ، فاعترضها حوت فساهمهم في أن يدفعوا الحوت بإلقاء رجل منهم إليه ليلتقمه وينصرف عن الباقين ، فخرجت القرعة باسمه فالقي في البحر فالتقمه الحوت ، فكان يسبح الله في بطنه إلى أن أمره الله أن يلقيه إلى ساحل البحر ، ولم يكن ذلك إلا تأديبا إلهيا يؤدب به أنبياءه على حسب ما يقتضيه مختلف أحوالهم ، وقد قال تعالى : " فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " [1] فكان حاله في تركه العود إلى قومه ، وذهابه لوجهه يمثل حال عبد أنكر على ربه بعض عمله فغضب عليه فأبق منه وترك خدمته وما هو وظيفة عبوديته ، فلم يرتض الله له ذلك فأدبه ، فابتلاه وقبض عليه في سجن لا يقدر فيه أن يتوسع قدر أنملة في ظلمات بعضها فوق بعض فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . ولم يكن ذلك كله إلا لأن يتمثل له على خلاف ما كان يمثله حاله أن الله سبحانه قادر على أن يقبض عليه ويحبسه حيث شاء ، وأن يصنع به ما شاء فلا مهرب من الله سبحانه إلا إليه ، ولذلك لقنه الحال الذي تمثل له وهو في سجنه من بطن الحوت أن يقر لله : بأنه هو المعبود الذي لا معبود غيره ، ولا مهرب عن عبوديته فقال : " لا إله إلا أنت " ولم يناده تعالى بالربوبية ، وهذا أوحد دعاء من أدعية الأنبياء ( عليهم السلام ) لم يصدر باسم الرب . ثم ذكر ما جرى عليه الحال من تركه قومه إثر عدم إهلاكه تعالى إياهم بما أنزل عليهم من العذاب ، فأثبت الظلم لنفسه ونزه الله سبحانه عن كل ما فيه شائبة الظلم والنقص فقال : " سبحانك إني كنت من الظالمين " . ولم يذكر مسألته - وهي الرجوع إلى مقامه العبودي السابق - عدا لنفسه دون