مجرَّد مخلوق من نور ذاته ( 1 ) وهو الّذي دلّ عليه بعض الأحاديث المذكورة والمراد بتقوية العقل به ارتباطه واستشراقه من نوره والله أعلم بحقايق كلام وليّه ( كان عالماً بالله ) واليوم الآخر وعواقب الأُمور في الباطن والظاهر ( حافظاً لنفسه ) في المسير إلى الله من الخطأ والزّلل ، وللصور العلميّة والمكتسبات العمليّة من الفساد والخلل ( ذاكراً ) لما يفضيه إلى جنات النعيم وينجيه من عذاب الجحيم ( فطناً ) في اكتساب الحقايق واقتراف الدّقايق ( فهماً ) لمقابح الدُّنيا ومكائد زهراتها ومنافع الآخرة وشدايد خطراتها . ( فعلم بذلك كيف ولم وحيث ) كيف اسم مبهم غير متمكن وإنّما حرك آخره لالتقاء الساكنين وبنى على الفتح دون الكسر لمكان الياء وهو للاستفهام عن الأحوال و « ما » للاستفهام وتحذف منها الألف للتخفيف إذ ضمّ إليها حرف مثل بم وعمّ يتساءلون ولم وهي سؤال عن علّة الشئ وسبب وجوده ، وحيث كلمة تدلُّ على المكان لأنّه ظرف في الأمكنة بمنزلة حين في الأزمنة وهو اسم مبنيٌّ حرِّك آخره لالتقاء الساكنين ، فمن العرب من يبنيها على الضمّ تشبيها لها بالغايات لأنّها لم تجئ إلاّ مضافة إلى جملة كقولك أقوم حيث يقوم زيد ، ومنهم من يبنيها على الفتح مثل كيف استثقالا للكسر مع الياء ، ولعلَّ المراد فعلم بسبب كون تأييد عقله من النور أو بسبب كونه عالماً إلى آخر أحواله وكيفيتها ( 2 ) من كونها خيراً أو شرَّاً نافعاً أو ضارّاً أو كيفية سلوكه فيها وجعله وسيلة للسير إلى منازل الآخرة وعلم علّة تلك الأحوال ( 3 ) والباعث لسلوكه فيها وهي الخروج من حضيض النقص إلى أوج الكمال ومن الشقاوة إلى السعادة وعلّة إيجاده وباعث إنشائه وتحريكه من عالم القدس إلى هذا العالم ( 4 ) وهي كونه عبداً خالصاً راعياً لحقوق عبوديّته بقدر الامكان ناصحاً لعباده بالقلب واللّسان علم مقاماته من أوّل الايجاد إلى ما شاء الله فانّ العقل المؤيّد من النور ( 5 ) يعلم بالمشاهدة والعيان أنَّ له من بدء وجوده إلى ما شاء الله مقامات متفاوتة ودرجات مختلفة متباعدة ويعلم التفاوت فيما بين تلك
1 - سبق أن العقل جوهر مجرد مخلوق قبل عالم الأجسام ولم يخلقه الله تعالى من مواد هذا العالم الجسماني وعناصره بل خلقه من نور ذاته بلا واسطة ، كما ورد أن العقل أول خلق من الروحانيين ( ش ) . 2 - تفسير لكلمة « كيف » يعني يعلم كيف حاله ومنازله وسيره فيها ( ش ) . 3 - تفسير لكلمة « لم » لأنها سؤال عن العلة الغائية أو الفاعلية . ( ش ) 4 - تفسير لقوله « حيث » وهي السؤال عن المكان أين كان والى ما يصير . ( ش ) 5 - فهم هذه الأمور بالعقل لأن أصحاب الحس وأهل الدنيا لا يعرفون هذه المعاني أصلا ويزعمون أن وظيفة الإنسان والمقصود من خلقته عمارة الدنيا وتسهيل أمر المعاش وجميع أمورهم يدور حول ذلك حتى أن الملكات الفاضلة والخصائل الذميمة عندهم ما تتعلق بنظام هذا العالم ولا يعرفون ما ذكره الشارح من منازل الآخرة والسلوك فيها أصلا ويعدون ذلك أوهاماً وخرافات ( ش ) .