غير حاجة إلى تجشّم كسب جديد ( 1 ) أو الأعم من الجميع ، والمراد بالعلم الادراك مطلقاً أو إدراك المعارف الالهيّة والأحكام النبويّة والتصديق بهما على التفصيل ، ثمّ ذكر هذه الأربعة كأنّه على سبيل التمثيل والاقتصار وإلاّ فأحوالات العقل وفضايله الناشية منه غير منحصرة فيها كما يظهر لمن تأمّل في الآثار سيّما الخبر الوارد في ذكر جنوده ( وبالعقل يكمل ) أي يكمل الإنسان لأنَّ العقل مبدء لجميع الخيرات ومنشؤٌ لجميع الكمالات الّتي بها يصير الإنسان كاملا في الدَّارين وتمام العيار في النشأتين وممدوحاً عند الخالق ومحبوباً عند الخلائق ، وتقديم الظرف لقصد الحصر أو الاهتمام وإنّما لم يقل : وبه يكمل مع تقدُّم المرجع لئلاّ يتوهّم عود الضمير إلى العلم ، وهذا وإن كان أيضاً صحيحاً لكنّ الكلام في العقل وبيان أحوالاته ( وهو دليله ومبصره ومفتاح أمره ) أي العقل دليل الإنسان إلى سبيل النجاة ومبصره للخيرات اسم فاعل من بصره ويجوز أن يقرأ بفتح الميم والصاد وسكون الباء ، وقيل : المبصر والمبصرة على هيئة اسم المكان : الحجّة . ومفتاح أمره ينفتح به أبواب العلوم والكمالات كلُّ ذلك لأنَّ العقل في عالم الأبدان كالشمس يتلألأ نوره ويلمع ضوؤه في الحواسّ الباطنة والظاهرة ويتنوَّر به القلب ويستضيىء به الصدر ، فمن حيث أنّه يهتدي به كلُّ عضو من أعضاء الإنسان إلى ما هو المطلوب منه فهو دليله ، ومن حيث أنّه ينظر القلب به أو فيه إلى الحقايق والمعارف ويبصرها بعين البصيرة فهو مبصره ، ومن حيث أنّه ينكشف به تلك الحقايق والمعارف للقلب وينتقش فيه صورها فهو مفتاح أمره ( فإذا كان تأييد عقله ) أي تقويته ( من النور ) أي بالفضايل العقليّة والكمالات النفسانية الّتي هي من جنود العقل مثل العلم والحفظ والذِّكر والفطنة والفهم ، وسمّاها نوراً على سبيل الاستعارة والتشبيه به في الهداية كما يسمّى أضدادها أعني الجهل والنسيان والسهو والغباوة والحمق ظلمة ، أو على ملاحظة أنّها فايضة من عالم نوراني يعني عالم الملكوت على قلب إنساني ليستعدَّ بها للترقّي إليه ، والفاء حينئذ للتفريع إذ هذا الشرط مع الجزاء بمنزلة نتيجة للكلام السابق كما يظهر بأدنى تأمّل ، ويحتمل أن يراد بالنور الحجّة الظاهرة يعني النبيّ لأنّه نور إلهي في ظلمات الأرض به يتقوَّى العقول في ثباتها على صراط الحقِّ واتّصافها بالفواضل والفضايل واهتدائها إلى حضرة القدس ، وأن يراد به بصيرة قلبيّة أو عناية ربّاينّة أو جوهر
1 - قالوا إن الحافظة للقوة العاقلة هي العقل الفعال وعبر عنه الشارح بالمبادئ العالية إذ قد يعبر بذلك عن العقول أو لأنا لا نعلم انحصار الموجودات الموجودة التي يرتبط بها أفراد الإنسان في عقل واحد مسمى بالعقل الفعال ، وبالجملة لكل مدرك حافظ وحافظ المحسوسات قوة الخيال وحافظ المعاني الجزئية يسمى حافظة وحافظ المدركات الكلية هو المبادى العالية ونسيانها بزوال ملكة الارتباط بين عقل الإنسان والعقل الفعال والذكر ببقاء تلك الملكة ولم يقولوا بكون حافظة المدركات العقلية في الإنسان نفسه بل أثبتوه في خارج لأن مدرك الكلي مجرد لا يتبعض والمدرك موجود مجرد والحافظ موجود آخر وبينهما ربط ( ش ) .