بتعجيل القتال خوفا من أن يتبلور رأي الجيش ويحدث انقسام في صفوفه ، ولما زحف ذلك الجيش كان الحسين جالسا أمام بيته - خيمته - محتبيا بسيفه إذ خفق برأسه ، فسمعت أخته عقيلة بني هاشم زينب ( عليها السلام ) أصوات الرجال وتدافعهم نحو أخيها ، فانبرت إليه وهي فزعة مرعوبة فأيقظته فرفع الإمام رأسه فرأى أخته ، فقال لها بعزم وثبات : " إني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام ، فقال : إنك تروح إلينا . . " . وذابت نفس العقيلة ، وانهارت قواها ، فلطمت وجهها ، وقالت بنبرات حزينة : " يا وليتاه . . " . والتفت أبو الفضل العباس إلى أخيه فقال له : يا أخي أتاك القوم ، فطلب منه الإمام أن يتعرف على خبرهم قائلا له : " إركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم ، فتقول لهم : ما بدا لكم ، وما تريدون ؟ " . كم رقيقة هذه الكلمات المؤدبة التي تفوه بها الحسين لأخيه العباس ! " إركب بنفسي أنت يا أخي . . . " ما أجمل هذا الأدب ، كلمات تبث الحب والحنان وترفع الستار عن مودة عميقة من الحسين لأخيه العباس ، قد جمعتهما سلامة العقيدة وروائع الأخلاق . يا ليتنا نستلهم بعضها . وأسرع أبو الفضل العباس ممتثلا أمر أخيه الحسين ، فتحرك نحو العدو المهاجم ، ومعه عشرون فارسا من أصحابه ، وفيهم زهير بن ألقين وحبيب بن مظاهر ، فسألهم العباس عن زحفهم ، فقالوا له : جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو نناجزكم . وقفل العباس إلى أخيه يعرض عليه الأمر ، وأقبل حبيب بن مظاهر على القوم فجعل يعظهم ، ويذكرهم الدار الآخرة قائلا : أما والله لبئس القوم يقدمون غدا على الله عز وجل ، وعلى رسوله محمد ( صلى الله عليه وآله ) وقد قتلوا ذريته وأهل بيته المجتهدين بالأسحار ، الذاكرين الله كثيرا بالليل والنهار وشيعته الأتقياء الأبرار . وعرض أبو الفضل مقالة القوم على أخيه ، فقال له الحسين : " ارجع إليهم فان استطعت أن تؤخرهم إلى غدوة ، لعلنا نصلي لربنا هذه الليلة ،