فشمها ثم قال : " واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب " . فرجع هرثمة إلى زوجته وكانت شيعة لعلي ( عليه السلام ) فقال : ألا أحدثك عن وليك أبي الحسن ؟ ! نزل بكربلا فصلى ثم رفع إليه من تربتها فقال : " واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب " . قالت : أيها الرجل فإن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لم يقل إلا حقا . فلما قدم الحسين ( عليه السلام ) قال هرثمة : كنت في البعث الذين بعثهم عبيد الله بن زياد ، فلما رأيت المنزل والشجر ذكرت الحديث فجلست على بعيري ثم صرت إلى الحسين ( عليه السلام ) فسلمت عليه وأخبرته بما سمعت من أبيه في ذلك المنزل . فقال - الحسين ( عليه السلام ) - : " معنا أنت أم علينا " ؟ فقلت : لا معك ولا عليك ، خلفت صبية أخاف عليهم عبيد الله بن زياد . قال : " فامض حيث لا ترى لنا مقتلا ولا تسمع لنا صوتا ، فوالذي نفس حسين بيده لا يسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا إلا أكبه الله لوجهه في جهنم " . ( 1 ) وتتجلى هنا قيمة الحرية واحترام رأي الانسان عند الإمام الحسين ( عليه السلام ) فالرجل لما سأله الامام " معنا أنت أم علينا " فسمع منه كلمة الحياد ، نصحه أن يبتعد عن تلك الأرض التي سوف تصطبغ بدماء المظلومين بعد أيام قليلة . فلم يشتمه أو يركله وما أشبه ، كما يفعله ( المصبنة ) المتطرفون في صنع الصراعات بين الجماعات الاسلامية ومراجع الدين في عصرنا ، إن الأخلاق الكريمة ترشد إلى مثل هذه المواقف التي تبقى في التاريخ مشاعل هادية إلى الحق ، وليس الهدف من أي جهاد أو مرجعية إلا هذا . * الدروس المستفادة هنا : 1 - السؤال لفرز المواقف جيد ولكن مع الحفاظ على القيم الأخلاقية . 2 - قل كلمة الحقيقة ليحفظها التاريخ إلى يوم الحاجة ولإتمام الحجة .
1 - أمالي الصدوق : 117 ، تاريخ ابن عساكر ( ترجمة الإمام الحسين عليه السلام ) : 235 ، مع اختلاف في السند والمتن ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 : 169 ، وفيه : قال الحسين عليه السلام " فول هربا لا ترى اليوم مقتلنا . . . لا يرى مقتلنا أحد ثم لا يعيننا الا أدخله النار " ، بحار الأنوار 44 : 255 ، العوالم 17 : 147 ، بحار الأنوار 32 : 419 وفيه : " اذهب حتى لا ترى مقتلنا ، فوالذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم أحد مقتلنا ثم لا يعيننا الا دخل النار . قال فأقبلت في الأرض أشتد هربا حتى خفي علي مقتلهم " .