وانبرى إليه الحر وهو لا يعلم بشأن الكتب ، فقد كان - فيما يبدو - في تلك الفترة بمعزل عن الأحداث السياسية في الكوفة ، فقال له : ما هذه الكتب التي تذكرها ؟ فأمر الإمام الحسين ( عليه السلام ) عقبة بن سمعان بإحضارها ، فأخرج خرجينين مملوءين صحفا ، نثرها بين يدي الحر ، فبهر الحر ، وتأملها وقال : لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك . ووقعت مشادة عنيفة بين الإمام والحر ، فقد قال الحر للإمام : قد أمرت أن لا أفارقك إذا لقيتك حتى أقدمك الكوفة على ابن زياد . ولذعت الإمام هذه الكلمات القاسية فثار في وجه الحر وصاح به : " الموت أدنى إليك من ذلك " . لقد ترفع أبي الضيم من مبايعة يزيد ، فكيف يخضع لابن مرجانة الدعي بن الدعي ؟ وكيف ينقاد أسيرا إليه ؟ فالموت أدنى للحر من الوصول إلى هذه الغاية الرخيصة . . وأمر الحسين أصحابه بالركوب ، فلما استووا على رواحلهم أمرهم بالتوجه إلى يثرب ، فحال بينهم وبين ذلك ، فاندفع الحسين فصاح به مرة أخرى : " ثكلتك أمك ما تريد منا ؟ " وأطرق الحر برأسه إلى الأرض ، وتأمل ثم رفع رأسه فخاطب الإمام بأدب فقال له : أما والله لو غيرك من العرب يقولها لي : ما تركت ذكر امه بالثكل كائنا من كان ، ولكني والله ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما يقدر عليه . . وسكن غضب الإمام فقال له : " ما تريد منا ؟ " فقال الحر : أريد أن أنطلق بك إلى ابن زياد . وثار الإمام فصاح به : " والله لا أتبعك " . فقال الحر : إذن والله لا أدعك . وكاد الوضع أن ينفجر بإندلاع نار الحرب إلا أن الحر ثاب إلى الهدوء فقال للإمام : إني لم أؤمر بقتالك ، وإنما امرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة ، حتى أكتب إلى ابن زياد ، وتكتب أنت إلى يزيد أو إلى ابن زياد ، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العاقبة من أن أبتلي من أمرك .